جرائم الإعلام في أزمة مصر والجزائر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] مصر والجزائر مثار اهتمام الجميع
بعد عام كامل على الأحداث المؤسفة التي صاحبت مواجهتَيْ مصر والجزائر في تصفيات المونديال، أخرجت المطابع مؤخرًا كتابًا بعنوان "حروب كرة القدم"، يسعى إلى دراسة وتحليل ما جرى؛ حيث يكشف مؤلفه الصحفي المصري د. ياسر ثابت عن تفاصيل الأزمة كما تابعتها وتفاعلت معها الدوائر المختلفة في الدولتين العربيتين.
ورغم أن الكتاب يضم تحقيقات ويرصد صورًا عدة عن جوانب مختلفة تتعلق بكرة القدم عربيًّا وعالميًّا؛ فإن السجال المصري الجزائري حاز نصيب الأسد من صفحاته الثلاثمائة، واعتبره المؤلف "جوهر الحكاية"!.
في محاولةٍ جادةٍ للبحث عن أسباب الفتنة، استعرض ثابت في فصل مطول وقائع الأسابيع الساخنة. وتحت عنوانٍ دالٍّ؛ هو "مصر والجزائر.. المصائر" راح يتقصى تغطية وسائل الإعلام في البلدين لما جرى على هامش موقعتَيْ تصفيات المونديال في القاهرة وأم درمان، وصولاً إلى ما صاحب مواجهة الأهلي المصري وشبيبة القبائل الجزائري في مسابقة دوري أبطال إفريقيا.
وبعدما بدأ ثابت حديثه بعبارة افتتاحية هي "الحماقة هذه المرة رياضية الطابع"، عاد إلى الجذور، وراح وفق ترتيب زمني يسترجع وقائع الأيام الحزينة انطلاقًا من متابعة المصريين مباراة الجزائر ورواندا السابقة على المواجهة بينهما، حين اندلعت شرارة الأزمة، وأطلق عمرو أديب مقدم برنامج "القاهرة اليوم" على شاشة "أوربت" دعاءه الشهير: "يا رب نكِّد على الجزائريين"، ثم رصد التعبئة الشاملة للمعسكرَيْن، وما صاحب زيارة الفريق الجزائري إلى القاهرة، والهجوم بالحجارة على حافلة الفريق في حادثةٍ غابت بعدها الموضوعية وتعامل معها الجانبان وفقًا لمصالحهما الخاصة؛ إذ أنكرت التصريحات المصرية الوقعة برمتها، واتهمت لاعبي الجزائر بتحطيم زجاج الحافلة من الداخل، وهو ما ثبت كذبه بعد تصوير مراسل قناة "كنال بلوس" الفرنسية ما جرى، فيما بالغت ردود الأفعال الجزائرية في التعامل مع الحادث الفردي، واعتبرته مُدبَّرًا من قِبَل مسؤولي اتحاد الكرة المصري، كما أفلت العيار حين نشرت صحيفة جزائرية خبرًا ملفقًا عن وقوع قتلى جزائريين في شوارع القاهرة؛ الأمر الذي تم تكذيبه لاحقًا.
على تلك الخلفية الشائكة، سافر المنتخبان إلى أم درمان لخوض مباراة فاصلة بلغ بعدها التوتر مداه. وهنا يرصد المؤلف بإسهاب ما كان من أمر إعلام متشنج في البلدين، وينقل تصريحات عديدة جرت على لسان مصريين في فضائيات غاضبة، ويتابع مانشيتات مدوية في صحف جزائرية بلغ بها التوتر مداه، كما يرصد في دهشة تداخل الاعتبارات الدينية والتاريخية والسياسية، ويتابع تمسُّك الإعلام المصري بروايات عديدة عن "مذابح تعرضت لها الجماهير المصرية" بعد المباراة؛ حيث ذرفت الدموع وتعالت الصرخات والاتهامات، فيما رد الجزائريون بأحاديث عن أن المصريين "أفقدتهم الهزيمة توازنهم العقلي"، وعن "حملة شتم وتشويه غير مسبوقة يتعرض لها الشعب الجزائري". وامتدت حملات الكراهية المتبادلة إلى المواقع الإلكترونية التي امتلأت بأعداد متزايدة من التعليقات والرسوم الكاريكاتيرية والمواد الفيلمية والغنائية التي تبادل فيها المصريون والجزائريون الإهانات واللعنات بأقذع الألفاظ.
بعد ذلك تابع المؤلف ردود الأفعال التي استغرقت وقتًا طويلاً، وبلغت حدودًا مزعجة، ثم محاولات التهدئة من الجانبين، وتناول ما جرى من احتكاكات جديدة حين سافر فريق الأهلي المصري لخوض مباراة أمام شبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا، وخلص في النهاية إلى أن "الأزمة الكروية بين مصر والجزائر انتهت، أو في أضعف الأحوال تراجعت، وقد يجادل البعض أنه آن الأوان للأعصاب المتوترة والنفوس المشحونة أن تهدأ، ولكن الأخطر أنها كشفت مدى جهل المجتمعَيْن المصري والجزائري بعضهما ببعض، ومدى مغازلة السلطة هنا وهناك جماهيرَ تتسم سلوكياتها وردود أفعالها بالغوغائية والاندفاع غير المدروس".
واختتم ياسر ثابت الفصل المثير بقوله: "في تلك الأزمة، التي نرجو أن تسقط من ذاكرة الشعبَيْن سريعًا، تحوَّلت كرة القدم إلى كرة الندم"، كما أطلق علامة استفهام أخيرة: "أمن أجل "ركلة" يسقط المُقدَّس من العلاقات بين الإخوة، وتكاد تدوسه الأقدام؟! وإلى متى تلتهم ماكينة السياسة الشرسة متعة كرة القدم وتسرق منها الإثارة والمتعة وتحولها إلى شيء بليد وتافه لا يستحق سوى الرثاء؟!".