أخلاقيات الطب
بسم الله الرحمن الرحيم
"أبتي الحبيب :
تسألني إن كنتُ بحاجة إلى نقود، فأخبرك بأني عندما أخرج من المشفى سأحصل على لباس جديد وخمسِ قطع ذهبية ، حتى لا أضطر إلى العمل حال خروجي مباشرة، فلست بحاجة إذن إلى أن تبيع بعض ماشيتك، ولكن عليك بالإسراع في المجيء إذا أردت أن تلقاني هنا.
إني الآن في قسم معالجات تشوهات المفاصل والعظام ( orthopadie) بقرب قاعة الجراحة وعندما تدخل من البوابة الكبيرة، تعبر القاعة الخارجية الجنوبية وهي مركز الإسعافات الأولية العامة ( poli klinik) حيث أخذوني بعد سقوطي، وحيث يذهب كل مريض أولَ ما يذهب لكي يعاينه الأطباء المساعدون وطلابُ الطب، ومن لا يحتاج منهم إلى معالجة دائمة في المستشفى تعطى له وصفته فيحصل بموجبها على الدواء من صيدلية الدار.
وأما أنا فلقد سجلوا اسمي هناك بعد المعاينة وعرضوني على رئيس الأطباء، ثم حملني ممرض إلى قسم الرجال، فمنحني حماماً ساخناً وألبسني ثياباً نظيفة من المستشفى، وحينما تصل ترى إلى يسارك مكتبة ضخمة وقاعة كبيرة حيث يحاضر الرئيس في الطلاب، وإذا ما نظرت وراءك يقع نظرك على ممر يؤدي إلى قسم النساء، ولذلك عليك أن تظل سائراً نحو اليمين، فتمر بالقسم الداخلي والقسم الجراحي مروراً عابراً.
فإذا سمعت موسيقى تنبعث من قاعة ما، فادخلها وانظر بداخلها ، فلربما كنت أنا هناك في قاعة النقة حيث تشنف آذاننا الموسيقى الجميلة ونمضي الوقت بالمطالعة المفيدة.
واليوم صباحاً، جاء كالعادة رئيس الأطباء مع رهط كبير من معاونيه، ولما فحصني أملى على طبيب القسم شيئاً لم أفهمه، وبعد ذهابه أوضح لي الطبيب أنه بإمكاني النهوض صباحاً وبوسعي الخروج قريباً من المشفى صحيح الجسم معافى.
إني والله لكاره هذا الأمر, فكل شيء هنا جميل للغاية ونظيف جداً : الأَسِرَّة وثيرة وأغطيتها بغاية النعومة والبياض كالحرير، وفي كل غرفة من غرف المشفى تجد الماء جارياً فيها على أشهى ما يكون، وفي الليالي القارسة تُدفأ كلُ الغرف وأما الطعام فحدّث عنه ولا حرج، فهناك الدجاج أو لحم الماشية يُقدم يومياً لكل من بوسعه أن يهضمه.
إن لي جاراً ادّعى المرض الشديد أسبوعا كاملاً أكثر مما كان عليه حقيقةً، رغبةً منه في التمتع بشرائح لحم الدجاج اللذيذ بضعة أيام أخرى ، ولكن رئيس الأطباء شك في الأمر وأرسله بالأمس إلى بيته بعد أن اتضح له صحةُ المريض الجيدة بدليل تمكنه من التهام دجاجة كاملة وقطعة كبيرة من الخبز وحده .
لذلك تعال يا أبتي وأسرع بالمجيء قبل أن تحمّر دجاجتي الأخيرة........"
أيها الزملاء والزميلات:
كانت هذه رسالة أرسلها مريض في مشفى عربي إلى أبيه قبل ألف سنة، عَثَرَت عليها المستشرقة الألمانية / زيغرد هونكه/ وأودعتها في كتابها : ( شمس العرب تسطع على الغرب).
في الفصل الثاني من الكتاب التي تتحدث فيه عن المشافي، وعنونت للفصل بقولها : ( مستشفيات مثالية وأطباء لم يرَ العالم لهم مثيلا )
الطب علم وفن ، موضوعهما علاج المرض أو منعه، وكلاهما أعني – العلم والفن- إن لم يحاطا بالأخلاق تحوَّل الأول: إلى سباق تسلُّح يدمر الكرة الأرضية عدداً من المرات، وتحَّول الثاني: إلى سباق تهتُّك يزري بالبشرية لتهوي إلى مستوى الطبقة الدنيا من المخلوقات. من هنا كانت أهمية (( أخلاق الطب )).
ولئن كانت البُرديات المصرية القديمة تحدثت عن أخلاق الطبيب، ولئن كان قَسَمُ أبو قراط الذي لا يزال يُقسم به – مع بعض التعديلات التي أدخلت عليه- حاوياً على شيء من آداب المهنة ، فإن المادية الساحقة في القرن الأخير أكَّدت ضرورة الحديث عن أخلاقيات الطب وأدب المهنة.
وإليكم هذه الأنباء التي تكتب عنها بعض المجلات والجرائد العامة والمتخصصة.
• معمل أدوية يعلِّب خلطاته غير المطابقة لمواصفات وزارة الصحة ليرسلها لتباع في بعض دول العالم الثالث.
• أطباء في مكاتب منظمة الصحة العالمية في بعض البلدان الفقيرة جداً يمارسون الفاحشة مع الفتيات لتقديم المساعدات الطبية لهن.
• ممرضات يحقنَّ أطفالاً عرباً بالإيدز، ويُبَرَّأنَ أمام القضاء، ليرجعن إلى بلادهن آمنات مطمئنات.
• طبيبة نسائية لا تتورع أن ترسل بكل مريضاتها الولاّدات إلى العملية القيصرية.
• طبيب أسنان يقنع مريضه بـ الفل ماوث مع أن المريض فاقد لرحى الأولى العلوية اليسرى ومثلها في الفك الأسفل.
• مريض يجري تحليلاً مخبرياً على العينة نفسها في أربع مخابر فلا تطابق نتيجةٌ أختها.
• انتشار مافيا للشركات الدوائية في العالم.
• تحليق طائرة جراحية مجهزة بغرف عمليات من دولٍ غنية إلى الدول الأشد فقراً ليصار إلى شراء أعضاء بشرية من أصحابها ببضع الدولارات ثم تعود الطائرات محملة بالغنائم إلى بنوك الأعضاء.
• طبيب قتل سبعين من مرضاه قتل الرحمة ثم اكتُشِفَ أمره وحوكم.
• مستشفى ذات رفاهية عالية لا تستقبل حالات الإسعاف حتى ولو كانت في الرمق الأخير إلى أن يتم تسديد الفاتورة الباهظة جداً.
• سماسرة عيادات طب الأسنان يرفعون نسبة السمسرة إلى 50% وبعض الأطباء يوافقون.
• الإعلانات لعيادات الأطباء في جرائد الإعلان ، تذكر فروع الاختصاص وجزئياته مجارية إعلانات المحلات التجارية التي تذكر أنواع البضائع والسلع.
• مشافي غزة يُقطع عنها الكهرباء والوقود ويموت الأطفال و مرضى العناية الفائقة على مرأى من العالم ومسمعه.
كل هذه الأنباء – وهي عينة مختارة- تؤكد ضرورة الحديث عن ( الأخلاق في الطب وفي غير الطب) ذلك لأن الأمر كما قالوا في الأدب:
إنـما الأمم الأخلاق مـا بقيت فـإن همُ ذهبت أخلاقُهم ذهبوا
فأقول:
أسس أخلاقيات الطب ستةٌ:
1- النفع وتقديم الفائدة
2- عدم الإضرار.
3- المحافظة على السر
4- الـعـدالة
5- الاستقلالية والذاتية
6- المسؤولية الطبية
اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن