التوحيد: هو إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، وهو دين الرسل كلهم -عليهم الصلاة والسلام- الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه، ولا تصح الأعمال إلا به، إذ هو أصلهـا الذي تُبنى عليه.
أقسام التوحيد:
ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفا ت، وتوحيد الألوهية.
1. توحيد الربوبية:
وهو الإقرار بأن لا رب للعالمين إلا الله الذي خلقهم، ورزقهم، وهذا النوع من التوحيد قد أقر به المشركون الأوائل، فهم يشهدون أن الله هو الخالق، والمالك، والمدبر، والمحيي، والمميت وحده لا شريك له، قال تعالى: ولئن سأ لتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون [العنكبوت: 61].
ولكن إقرارهم هذا وشهادتهم تلك لم تدخلهم في الإسلام، ولم تنجهم من النار، ولم تعصم دماءهم وأموالهم، لأنهم لم يحققوا توحيد الألوهية، بل أشركوا مع الله في عبادته، بصرفهم شيئاً منها لغيره.
2. توحيد الأسماء والصفات:
وهو الإيمان بأن لله تعالى ذاتاً لا تشبهها الذوات وصفـات لا تشبهها الصفات وأن أسماءه دلالة قطعية على ما له سبحانه من صفات الكمال المطلق كما قال تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى: 11]. وأن طريق معرفة ذلك هو الوحي وحده.
فيجب علينا : إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتاً يليق بجلاله من غير تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل، ولا تحريف، ولا تأويل، ولا تكييف، لا نحاول ذلك كله لا بقلوبنا وتصوراتنا، ولا بألسنتنا أن نكيف شيئاً من صفاته تعالى أو نمثلها بصفات المخلوقين.
3. توحيد الألوهية:
وهو توحيد العبادة أي: إفراد الله -سبحانه وتعالى- بجميع أنواع العبادة التي أمر بها كالدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من العبادات التي أمر الله بها كلها، والدليل قوله تعالى: وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً [الجن: 18]، فلا يجوز أن يصرف الإنسان شيئاً من هذه العبادات لغير الله -سبحانه وتعالى- لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، ولا لولي صالح، ولا لأي أحد من المخلوقين، لأن العبادة لا تصح إلا لله، فمن صرف شيئاً منها لغير الله فقد أشرك بالله شركاً أكبر وحبط عمله.
وحاصله: هو البراءة من عبادة كل ما سوى الله، والإقبال بالقلب والعبادة على الله، ولا يكفي في التوحيد دعواه، والنطق بكلمة الشهادة من غير مفارقة لدين المشركين وما هم عليه من دعاء غير الله.
وتحقيق التوحيد: هو بمعرفته، والاطلاع على حقيقته، والقيام به علماً وعملاً، وحقيقة ذلك هو انجذاب الروح أو القلب إلى الله محبة، وخوفاً، وإنابة، وتوكلاً، ودعاءً، وإخلاصاً، وإجلالا،ً وهيبة، وتعظيماً، وعبادة، وبالجملة فلا يكون في قلب العبد شيء لغير الله، ولا إرادة لما حرم الله من الشركيات، والبدع، والمعاصي كبيرها وصغيرها، ولا كراهة لما أمر الله به، وذلك هو حقيقة التوحيد، وحقيقة لا إله إلا الله.
(معنى لا إله إلا الله):
أي لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله وحده لا شريك له، لأن المعبودات الباطلة كثيرة، لكن المعبود الحق هو الله وحـده لا شريك لـه، قـال تعالى: ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير [الحج: 62]. وليس معناها لا خالق إلا الله، كما قد يظنه بعض الجهلة فإن كفار قريش الذين بعث فيهم -رسول الله صلى الله عليه وسلم- كانوا يقرون بـأن الخالـق المدبـر هو الله -تعالى- ولكنهم أنكروا أن تكون العبادة كلها لله وحده لا شريك له، كما في قوله تعالى عنهم: أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب [ص: 5]، ففهموا من هذه الكلمة أنها تبطل عبادة أي أحد من دون الله وتحصر العبادة لله وحده، وهم لا يريدون ذلك، فلذلك حاربهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقوموا بحقها، وهو إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له.
وبهذا يبطل ما يعتقده المبتدعة من أن معنى لا إله إلا الله: هو الإقرار بأن الله موجود، أو أنه هو الخالق القادر على الاختراع، وأشباه ذلك، وأن من اعتقد ذلك فقد حقق التوحيد المطلق، ولو فعل ما فعل من عبادة غير الله، ودعاء الأموات، والتقرب إليهم بالنذور وبالطواف بقبورهم والتبرك بتربتهم.
لقد عرف كفار قريش من قبل أن لا إله إلا الله تقتضي ترك عبادة ما سوى الله، وإفراد الله بالعبادة، وأنهم لو قالوها واستمروا على عبادة الأصنام، لتناقضوا مع أنفسهم، وهم يأنفون من التناقض، أما من يقول: لا إله إلا الله، ثم ينقضها بدعاء الأموات من الأولياء والصالحين، والتقرب إلى أضرحتهم بأنواع من العبادات فهو جاهل لمعنى كلمة التوحيد، عامل بما يناقض مقتضاها.
ولقد جاءت الأحاديث الكثيرة التي تبيّن أن معنى لا إله إلا الله هو: البراءة من عبادة ما سوى الله من الشفعاء والأنداد، وإفراد الله بالعبادة؛ فهذا هو الهدى ودين الحق، الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه، أما قول الإنسان لا إله إلا الله من غير معرفة بمعناها، ولا عمل بمقتضاها، أو دعواه أنه من أهل التوحيد وهو لا يعرف التوحيد، بل ربما يخلص لغير الله في عبادته؛ من الدعاء، والخوف، والذبح، والنذر، والاستغاثة، والتوكل، وغير ذلك من أنواع العبادات؛ فإن هذا نقض للتوحيد، وصاحبه مشرك.
قال ابن رجب: فإن تحقق القلب بمعنى لا إله إلا الله، وصدقه فيها، وإخلاصه، يقتضي أن يرسخ فيه تأله الله وحده، إجلالاً، وهيبة، ومخافة، ومحبة، ورجاء، وتعظيماً، وتوكلاً، ويمتلئ بذلك، وينتفي عنه تأله ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك لم تبق فيه محبة، ولا إرادة، ولا طلب لغير ما يريد الله ويحبه ويطلبه، وينتفي بذلك من القلب جميع أهواء النفس وإرادتها، ووسواس الشيطان.
فمن أحب شيئا، وأطاعه، وأحب عليه، وأبغض عليه، فهو إلهه، فمن كان لا يحب ولا يبغض إلا الله، ولا يوالي ولا يعادي إلا لله، فالله إلهه حقاً، ومن أحب لهواه وأبغض له، ووالى عليه وعادى عليه فإلهه هواه كما قال تعالى: أرأيت من اتخذ إلهه هواه [الفرقان: 43].
(فضل كلمة الإخلاص):
لقد اجتمع لكلمة الإخلاص فضائل جمة، وثمرات عديدة، ولكن هذه الفضائل لا تنفع قائلها بمجرد النطق بها فقط، ولا تتحقق إلا لمن قالها مؤمناً بها عاملاً بمقتضاها، ومن أعظم فضائلها أن الله حرم على النار من قالها يبتغي بذلك وجه الله. كما في حديث عتبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" متفق عليه. وغير ذلك من الأحاديث التي تبين أن الله حرم على النار من قال لا إله إلا ا لله. لكن هذه الأحاديث جاءت مقيدة بالقيود الثقال.
إن من يقول كلمة الإخلاص عاداً وتقليداً دون ان يخالط الإيمان بشاشة قلبه لا يمكن أن يقال إنه قالها مخلصاً بها لله، ومثله من يقولها وهو مصر على ذنب وقتها ومن به، فإن هذا ينافي الإخلاص فيها وكمال المحبة لصاحبها،ومثل هؤلاء هم من يفتن عنها عند الموت ويحال بينه وبين النطق بها، وكذلك عند يسأل عن ربه فيقول: "لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته" رواه أحمد وأبوداود.
وحينئذ فلا منافاة بين الأحاديث، فإن ثمرتها مشروطة بأن يقولها بإخلاص ويقين تام وهذا معنى قوله: "يبتغي بها وجه الله"، ومن ثم فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء، وإذا كان الله أحب إليه من كل شيىء كان محباً لمحبوباته وأوامره، مبغضاً لمنهياته، مسارعاً بالامتثال والانقياد، ولا يبقى إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما أمر الله به ومن كان هذا حاله غفرت ذنوبه السابقة مهما بلغت وزكا حمله وصلح حاله في الدنيا وحاله في الآخرة.
(أركانها): للشهادة ركنان: نفي في قوله: "لا إله". إثبات في قوله: "إلا الله".
"فلا إله" نفت الألوهية عن كل شيء سوى الله، وإلا الله" أثبتت الألوهية لله وحده لاشريك له.
شروط لا إله إلا اللّه:
ذكر العلماء لكلمة الإخلاص شروطاً سبعة، ولا تصح إلا إذا اجتمعت، واستكملها العبد، والتزمها بدون مناقضة لشيء منها، وليس المراد من ذلك عدّ ألفاظها وحفظها، فكم من حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم، وتراه يقع كثيراً فيما يناقضها! وهذه الشروط هي:
1. العلم:
والمراد به: العلم بمعناها نفياً وإثباتاً، وما تستلزمه من عمل، فإذا علم العبد أن -الله عز وجل- هو المعبود وحده، وأن عبادة غيره باطلة، وعمل بمقتضى ذلك العلم فهو عالم بمعناها، وضد العلم الجهل، بحيث لا يعلم وجوب إفراد الله بالعبادة، بل يرى جواز عبادة غير الله مع الله، قال تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله [محمد: 19]، وقال تعالى: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون [الزخرف: 86]، أي: من شهد بلا إله إلا الله، وهم يعلمون بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.
2. اليقيـن:
وهو أن ينطق بالشهادة عن يقين يطمئن قلبه إليه، دون تسرب شيء من الشكوك التي يبذرها شياطين الجن والإنس، بل يقولها موقناً بمدلولها يقيناً جازماً. فلا بد لمن أتى بها أن يوقن بقلبه ويعتقد صحة ما يقوله من أحقية إلهية الله -تعالى- وبطلان إلهية من عداه، وأنه لا يجوز أن يُصرف لغيره شيء من أنواع التأله والتعبد، فإن شك في شهادته أو توقف في بطلان عبادة غير الله، كأن يقول: أجزم بألوهية الله ولكنني متردد ببطلان إلهية غيره؛ بطلت شهادته، ولم تنفعه، قال تعالى: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا [الحجرات: 15].
3. القبول:
القبول يعني: أن يقبل كل ما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، فيصدق الأخبار ويؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويقبل ذلك كله، ولا يرد منه شيئاً، ولا يجني على النصوص بالتأويل الفاسد، والتحريف الذي نهى الله عنه، قال تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا [البقرة: 136].
وضد القبول: الرد؛ فإن هناك من يعلم معنى الشهادة، ويوقن بمدلولها، ولكنه يردها كبراً وحسداً، قال تعالى: فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [الأنعام: 33]. ويدخل في الرد وعدم القبول، من يعترض على بعض الأحكام الشرعية، أو الحدود، أو يكرهها، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة [البقرة: 208].
4. الانقياد المنافي للشرك:
وذلك بأن ينقاد لما دلت عليه كلمة الإخلاص، وهو الاستسلام والإذعان، وعدم التعقب لشيء من أحكام الله، قال تعالى: وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له [الزمر:54].
والانقياد -أيضاً- لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- والرضى به، والعمل به دون تعقب أو زيادة أو نقصان، وإذا علم أحد معنى لا إله إلا الله، وأيقن بها، وقبلها، ولكنه لم ينقد، ولم يذعن، ولم يستسلم ولم يعمل بمقتضى ما علم؛ فإن ذلك لا ينفعه.
5. الصدق:
وهو الصدق مع الله، وذلك بأن يكون صادقاً في إيمانه، صادقاً في عقيدته، ومتى كان كذلك فإنه سيكون مصدقاً لما جاء من كتاب ربه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فالصدق أساس الأقوال، ومن الصدق أن يصدق في عبادته، وأن يبذل الجهد في طاعة الله، وحفظ حدوده، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين [التوبة: 119]، وضد الصدق الكذب، فإن كان العبد كاذباً في إيمانه؛ لا يعد مؤمناً بل هو منافق، وإن نطق بالشهادة بلسانه، فإن هذه الشهادة لا تنجيه.
ومما ينافي الصدق في الشهادة تكذيب ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو تكذيب بعض ما جاء به؛ لأن الله -سبحانه- أمرنا بطاعته وتصديقه، وقرن ذلك بطاعته -سبحانه وتعالى-.
6. الإخلاص :
وهو تصفية الإنسان عمله بصالح النية عن جميع شوائب الشرك، وذلك بأن تصدر عنه جميع الأقوال والأفعال خالصة لوجه الله، وابتغاء مرضاته، ليس فيها شائبة رياء أو سمعة، أو قصد نفع، أو غرض شخصي، أو الاندفاع للعمل لمحبة شخص أو مذهب أو حزب يستسلم له بغير هدى من الله، قال تعالى: ألا لله الدين الخالص [الزمر: 3]. وقال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين [البينة: 5].
وضد الإخلاص: الشرك والرياء ابتغاء غير وجه الله، فإن فقد العبد أصل الإخلاص فإن الشهادة لا تنفعه قال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً [الفرقان: 23]، فلا ينفعه حينئذ أي عمل يعمله لأنه فقد الأصل. قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً [النساء: 48].
7. المحبة:
أي المحبة لهذه الكلمة العظيمة ولما دلت عليه واقتضته؛ فيحب الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، ويقدم محبتهما على كل محبة، ويقوم بشروط المحبة ولوازمها، فيحب الله محبّة مقرونة بالإجلال والتعظيم، والخوف والرجاء، ومن المحبة تقديم محبوبات الله على محبوبات النفس وشهواتها ورغباتها، ومن المحبة -أيضاً- أن يكره ما يكرهه الله، فيكره الكفار لكفرهم ويبغضهم، ويعاديهم، ويكره الكفر والفسوق والعصيان، وعلامة هذه المحبة؛ الانقياد لشرع الله، واتباع محمد (صلى الله عليه وسلم) في كل شيء، قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم [آل عمران: 31].
وضد المحبة الكراهية لهذه ا لكلمة، ولما دلت عليه، وما اقتضته، أو محبة غير الله مع الله، قال تعالى: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم [محمد: 9].
ومما ينافي المحبة: بغض الرسول (صلى الله عليه وسلم) وموالاة أعداء الله، ومعاداة أولياء الله المؤمنين.
(معنى شهادة أنّ محمداً رسول الله):
معناها: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد ا لله إلا بما شرع، فلا بد للمسلم من تحقيق أركان تلك الشهادة، فلا يكون كامل الشهادة له بالرسالة من قالها بلسانه وترك أمره، وارتكب نهيه، وأطاع غيره، أو تعبّد الله بغير شريعته، قال (صلى الله عليه وسلم) : "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله" رواه البخاري، وقال (صلى الله عليه وسلم) : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد" متفق عليه.
* ومن مقتضى هذه الشهادة -أيضاً- أن لا يعتقد أن لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حقاً في الربوبية، وتصريف الكون، أو حقاً في العبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبد لا يُعبد، ورسول لا يُكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً من النفع والضر إلا ما شاء الله.
تعريف الإسلام:
الإسلام هو الإذعان لله -تعالى- وتسليم العقل والقلب لعظمة الله وكماله ثم الانقياد له بالطاعة وتوحيده بالعبادة والبراءة من الشرك به -سبحانه– إنّ الدين عند الله الإسلام والإسلام بمعناه الخاص: «ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من الدين كله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة».
مفهوم العبادة في الإسلام:
العبادة في الإسلام: هي التوجه إلى الله وحده في كل شيء -كما شرع الله- محبةً لله تعالى وتعظيماً، ورجاء ثواب الله، وخشية عقابه قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين هذا مفهوم العبادة بمعناها العام وتطلق العبادة بمعناها الخاص على: «شعائر الدين من الصلاة والدعاء والزكاة والصيام والحج وتلاوة القرآن والأذكار ونحوها».
أركان الإسلام:
هي أصوله وأساساته العملية، التي لا يصح إلاّ بها وهي أركان تعبدية يفعلها المسلم استجابة لأمر الله وامتثالاً لشرعه قد نعلم بعض حكمها وفوائدها، وربما نجهل الكثير منها.
الركن الأول: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله.
ومعنى شهادة أن لا اله إلا الله: الإقرار واليقين بأن الله -تعالى- وحده المستحق للعبادة والطاعة المطلقة، وأنه -تعالى- هو الرب المتصرف في الكون وبيده وحده مقاليد السموات والأرض.
فمن شهد أن إله إلاّ الله فقد أعلن الإذعان المطلق لله -تعالى- والتسليم له وحده بالعبادة والطاعة والتقديس والخضوع.
وأعلن البراءة من كل ما يعبد ويقدس سوى الله -تعالى-، وأنّ كل آلهة يعبدها الناس من إنسان أو حيوان أو ملك أو جماد أو فكر أو شهوة أو مبدأ أو منهج ونحوه فهي باطلة.
ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله:
الإقرار له بأنه رسول الله -تعالى- إلى الناس جميعا بشيرا لمن أطاعه، ونذيرا لمن عصاه، ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهداية ومن التيه إلى النهج القويم، وأنزل معه الكتاب «القرآن» مهيمنا على الكتب وناسخا لها ومشتملا على المنهاج الكامل عقيدة وشريعة، به سعادة البشرية في الدنيا وخلاصها في الآخرة، ذلك الكتاب المحفوظ المعجز.
وجعل الله سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهي: أقواله وأفعاله وتقريراته تشريعا تجب طاعته والتزامه بأمر الله قال سبحانه: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
ومن مستلزمات شهادة أن محمداً رسول الله، الإقرار بأنه خاتم الرسل وأنه يجب على جميع البشرية اتباعه، لقول الله -عزّ وجلّ-: ليكون للعالمين نذيراً وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً وقوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت إلى الثقلين: الجن والإنس" وقوله "واللهِ لا يسمع بي رجل من هذه الأمة -يهودي ولا نصراني- ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار"وغير اليهودي والنصراني من باب أولى لأنّ أولئك أهل كتاب وأتباع رسل. وقال: "وبعثت إلى الناس كافةً (أي جميعاً) إلى قيام الساعة".
التلازم بين ركني الشهادة:
لا يصح الإيمان بالله والإقرار له بالعبودية إلاّ بالإيمان برسوله -صلى الله عليه وسلم-، واتباعه في جميع شؤون الحياة. لأنّ الله -تعالى- أمرنا بذلك، وجعل طاعته وعبادته لا تستقيم وتصح إلاّ من خلال شرعه الذي أنزل على رسوله، فقال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم وقال: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وقال: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
الركن الثاني: الصلاة:
وهي صلة بين العبد وربه تقام خمس مرات في اليوم والليلة على هيئة وصفة مخصوصة في أوقات مخصوصة، شرعها الله، فيتوجه بها الإنسان إلى ربه مستقبلا القبلة «جهة مكة» خاشعا لله -تعالى-.
ومن حكمتها : ربط الإنسان الضعيف المحتاج بربه -تعالى- الغني القوي، وتحريره من عناء الدنيا ومتاعب الحياة في أوقات معينة يناجي فيها ربه ويتوجه إليه معظّماً له طالباً منه العون الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين.
فالصلاة صلة بالله العلي الكبير الحي القيوم، يستمد منها القلب قوة وتستمد منها النفس طمأنينة، وتستمد منها الروح سعادة وهناء . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أهمه الأمر أو أصابه عناء قال: «أرحنا يا بلال بالصلاة» وقال: «حبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة» وقرة العين، عين السعادة والراحة والطمأنينة والأمن.
فالصلاة الخاشعة تكسب صاحبها الأمن والسعادة الغامرة، والطمأنينة والسكون، وقوة الاعتماد على الله، واستمداد العون منه – تعالى- ومن ثم يشعر المسلم فيها بلذة تفوق اللذات واستعينوا بالصبر والصلاة ويشعر برقابة الله عليه فلا يحدث منه ما لايليق إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
الركن الثالث: الزكاة:
ومعناها دفع نسبة من المال في أنواع من الممتلكات أوجبها الله -تعالى - تبدأ من 2,5% ولاتزيد عن 10% إلا في أحوال قليلة تدفع لأصناف من المجتمع من المحتاجين، أو لبعض المصالح العامة حددها الشارع كالإصلاح والجهاد، وبها تحصل منافع كثيرة للمجتمعات والأفراد والدول من التكافل الاجتماعي وشيوع التآلف والقضاء على مظاهر الشح والبخل والحسد والحقد.
الركن الرابع: الصيام:
ومعناه: التعبد لله -تعالى- بالإمساك عن الطعام والشراب والجماع وما في حكمها من الفجر إلى غروب الشمس خلال شهر رمضان
وللصيام فوائد وحكم معنوية ومادية، منها:
ترويض النفس وتعويدها على الانضباط والصبر، وللصيام فوائد صحية كثيرة أقرَّ بها الطب قديماً وحديثاً . حينما يتخفف الإنسان من الطعام والشراب بعض الوقت كما أن الصوم يصفي القلوب ويعمرها بالإيمان والتقوى واليقين، ولا سيما وهو عمل تعبدي غالبا ما يكون بين العبد وربه.
والصيام كالصلاة يشعر معه المسلم بالصفاء والنقاء والسعادة، ويقوى قلبه وتسمو نفسه وتسعد روحه حين يمارس هذه العبادة طاعة لله واستجابة لأمره ورغبة في وعده «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه».
الركن الخامس: الحج:
وهو قصد بيت الله الحرام «مكة» لأداء شعائر ومناسك معلومة في وقت معلوم على هيئة حددها الشارع، لمن استطاع إليه سبيلاً، فـي العمـر مرة واحدة إلاّ لمن تطوع، عبادة لله واستجابة لشرعه، والحج سنة أبينا إبراهيم -عليه السلام-.
وهو مؤتمر كبير تحضره أعداد كبيرة من المسلمين من شتى بقاع العالم من كل بلد وجنس يجتمعون في مكان واحد وفي زمان واحد في مناسك متشابهة يتبادلون المصالح والمنافع الدينية والدنيوية، وتتحقق بينهم أعظم أواصر التكافل والتعاون والتناصح.
وتمثل أركان الإسلام الخمسة الأسس العملية والشعائر الظاهرة للدين، ولا يتم الدين إلاّ بمجموعها.
تعريف الإيمان ومعناه:
الإيمان في اللغة: التصديق.
والإيمان في الشرع: «أي المدلول الشرعي للإيمان» يشمل ثلاثة أسس:
الأول: يقين القلب وتصديقه وإذعانه.
الثاني: الإقرار باللسان.
الثالث: التطبيق العملي، بعمل الصالحات وترك المنهيات، ويطلق عليه «عمل الجوارح».
ومعنى الإيمان إجمالاً: الإقرار واليقين بالله –تعالى-، وكماله، وعبوديته، وحقوقه، وبكل ما أمر به وما أخبر عنه من الملائكة، والرسل، والكتب، واليوم الآخر، والقدر، وسائر الأمور الغيبية، وبكل ما شرعه الله، والعمل بمقتضى ذلك.
وعليه: فإن الإيمان يشمل الأعمال القلبية؛ من اليقين، والتقوى، والمحبة، والرجاء، والخوف -أي: لله تعالى-، والتوكل على الله، ونحو ذلك، والأعمال الظاهرة: مثل فعل الخيرات، وإقامة الصلاة، وعمل الصالحات، وترك المنهيات.
أركان الإيمان:
أركان الإيمان ستة: وقد أخبر بها الرسول - صلى الله عليه وسلم- عندما سأله جبريل عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره من الله -تعالى-".
معنى الإيمان بالله:
الإقرار بربوبيته أي أنه الخالق المدبر للكون بيده مقاليد كل شيء وهو على كل شيء قدير.
وبإلاهيته: أي أنه -تعالى- وحده المستحق للعبادة والطاعة.
وبأسمائه وصفاته: أي أنه -تعالى- له الكمال المطلق والأسماء الحسنى والصفات العلى على جهة الإجمال.
والإيمان والإقرار بكل ما سمّى الله به نفسه أو سمّاه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- مثل: الله، الحي، القيوم، العلي، العظيم، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، العزيز، الجبار، ذو الجلال والإكرام.
والإيمان والإقرار بكل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الصفات والأفعال مثل: الرحمة، والمحبة، والرضا، والنزول، والمجيء والكلام وغيرها.
كل ذلك من غير تشبيه لله بالخلق، ولا تشبيه للخلق به.
والإيمان بالملائكة:
يعني: الإقرار بأن هناك خلقًا من مخلوقات الله الغيبية، والله سماهم الملائكة مكلفون عقلاء لهم صفات خلقية وخلقية لا يعصون الله أبداً ويفعلون ما يؤمرون، ولهم أعمال ومهمات؛ كالنزول بالوحي، وإنزال المطر، وتسيير السحاب، وإطباق الجبال، وكتابة مقادير الخلق، وكتابة أعمال الإنسان، ومنهم حملة العرش، وخزنة الجنة، وخزنة النار وغيرهم. الإيمان بهم على جهة الإجمال وبمن سمي لنا منهم على جهة التفصيل مثل جبريل ومكائيل وإسرافيل وغيرهم.
والإيمان بالملائكة يشعر المؤمن بعظمة خلق الله -تعالى- وبديع صنعه وشرعه وبالطمأنينة والأمن النفسي، وبالرقابة التي تجعله يلتزم الخير والفضيلة ويكف عن الشر والرذيلة.
وتشعره بوجود عوالم خيرة من حوله تعمل الخير وتعين عليه وتنفر من الشر وتمقت فاعله، جعل الله لها رقابة على عمل الإنسان فإذا استشعر الإنسان وجودها من حوله ازداد تعظيما لله –تعالى- وخشية وهيبة وطمأنينة.
والإيمان بالكتب:
معناه أن الله -تعالى- أنزل عن طريق الرسل كتبا على الأمم تضمنت ما شرعه الله –تعالى- من التوحيد والعبادة والأحكام التي تنظم حياة الناس وتصلهم بربهم -عز وجل- على نهج يرضي الله -تعالى-، وتضمن لهم السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.
ومن هذه الكتب: التوراة والإنجيل والزبور وقد بدّلت وحرّفت ونسخت بالقرآن الذي أنزل الله إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو باق معجز محفوظ، اشتمل على نهج كامل لحياة الناس أممًا وأفرادًا إلى قيام الساعة ولا سعادة لهم إلاّ باتباعه.
الإيمان بالرسل:
وهو الإقرار بأن الله -تعالى- بعث رسلا من البشر اختارهم لإبلاغ ما يريده الله من الأمم من عبادته واتباع شرعه، مبشرين ومنذرين، آخرهم وخاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو رسول لجميع الأمم لا يسع أحدًا من الناس إلاّ اتباعه فمن أطاعه واتبع شرعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
الإيمان باليوم الآخر:
الإقرار بأن هناك حياة أخرى هي الحياة الحقيقية غير هذه الحياة الدنيا يكون فيها للناس الخلود الأبدي السرمدي، بعد أن يبعثهم الله يوم القيامة ويجازيهم على أعمالهم فمن اتبع الرسل -صلى الله عليهم وسلم- وأطاعهم دخل الجنة، ومن أعرض وعصى دخل النار.
والإيمان باليوم الآخر يتضمن عذاب القبر ونعيمه بحسب عمل الإنسان والبعث والحشر والحساب، والميزان، والصحف، والصراط، والحوض، والجنة ونعيمها، والنار وعذابها، وغير ذلك مما أخبر الله عنه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
والإيمان بالقدر:
معناه: «الإقرار بأن الله -تعالى- علم كل شيء وكتب مقادير كل شيء، وكل شيء بإرادته ومشيئته وأنه خالق كل شيء.
يخلق ما يشاء فعّال لما يريد، ما شاءه كان، وما لم يشأ لم يكن، بيده ملكوت كل شئ، يحي ويميت، وهو على كل شئ قدير. يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، خلق الخلق، وقدر أعمالهم وأرزاقهم وحياتهم وموتهم.
فالإيمان بالقدر يبعث في النفس اليقين والرضا، والطمأنينة، والأمن، والسعادة، والركون إلى الله العلي العظيم.