السلام عليكم ورحمة الله
يا إبن آدم.. تواضع.. فِلمَ تتكبر؟
أرجوك.. لا تجب الآن، ولا تتسرع.
أرجوك.. لا تظن نفسك عالماً بما في نفسك أو بحقيقة ما أنت عليه.
أرجوك.. اعرف أولاً معنى التواضع.
هناك معنى للتواضع لا أظن أن كثيراً منا يعرفونه، وهو: أن تستسلم للحق وتقبله من أي إنسان جاءك منه. الكثير من الناس يعانون مشكلة عدم قبولهم للحق، معتبرين أن الحق ما صدر منهم أو ممن بكبرهم سناً. لكن إذا جاءهم ممن هو أصغر منهم سناً أو أقل منهم مكانة يرفضونه تماماً.
إذن، أنا أتقبل الحق وأستسلم له من أي إنسان: من الضعيف والقوي، من الغني والفقير، من الشريف والوضيع، من القريب ومن البعيد، من العدو ومن الصديق.
هناك معنى ثانٍ للتواضع أظن أن معظمنا يعرفه، وهو: أن تخفض جناحك، أي تعامل الناس برفق ولين أياً كانت صفتهم، خادمهم ومخدومهم، غنيهم وفقيرهم، وشريفهم ووضعيهم. وأن تعامل البشر- كل البشر- بمنتهى العطف ومنتهى الرقة والحنان.
من أيت أتيت بهذين التعريفين؟
يقول المثل العربي الجميل: "وبضدها تتميز الأشياء". اعرف عكس التواضع تعرف ما هو التواضع. عكس التواضع هو التكبّر. يقول النبي (ص): "التكبر بطر الحق وغمط الناس"، ما معنى هذا الكلام الصعب؟ "بطر الحق" أي ألا تقبل الحق. إذن التواضع معناه قبول الحق. "غمط الناس". أي يأتي الفقراء والبسطاء وأنت تشمخ عليهم بأنفك وترى لنفسك وضعاً ومكانة، فلا تسلم على هذا، ولا تكلم ذاك، ولا تبتسم لهم شموخاً ورفعة.
والآن.. هل أنت متواضع؟
لا أريدك أن تجيب قبل معرفة فضل التواضع.
- يقول النبي (ص): "ما تواضع أحد لله إلا ورفعه الله". ألسنا نحب كل من علت منزلته في الدنيا وكان متواضعاً؟ والعكس أيضاً: ألا نزداد بغضاً لكل من علت منزلته في الدنيا فيأنف على الناس؟
- يقول النبي (ص): "من تواضع لله درجة، يرفعه الله درجة حتى يبلغ أعلى عليين، ومن تكبر على الله درجة، وضعه الله درجة حتى يبلغ أسفل سافلين".
- يقول النبي (ص): "إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد".
- يقول النبي (ص): يقول الله تبارك وتعالى: "من تواضع لي هكذا (وظل النبي يشير بباطن كفه إلى الأرض ويهوي بها إلى الأرض، ويقولون ظل يخفض كفه هكذا حتى أدناها إلى الأرض) رفعته هكذا"، وقلب باطن كفه إلى السماء حتى جعلها في السماء. أترون التصوير النبوي.
- يقول النبي (ص): "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
اهتم بهذا الحديث جداً: وراقب قلبك، واسأل نفسك: هل بداخلك ولو ذرة كبر على الناس؟ لن تدخل الجنة وقد أتيت بصلاة وصيام وزكاة وحضرت دروساً.. لا ليس بهذا فقط. وهناك رواية أخرى للحديث؛ "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال فرد له من كبر". فاحذروا الكبرياء ياجماعة.
- يقول الله عزّوجلّ في الحديث القدسي: "الكبرياء ردائي، والعزة إزاري. فمن نازعني فيهما عذبته". هل تنازع الله في كبريائه؟
- يقول الله في كتابه العزيز الحكيم ضمن وصايا لقمان لإبنه: (ولا تصعر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور) (لقمان/ 18). معنى تصعر: باللغة العامة "تلوي رقبتك". إذن، ما أصلها في اللغة الفصحى؟ الصعر: هو مرض يصيب الإبل في رقابها، فلا تستطيع أن تستعيد وضعها مرة أخرى (لا تعتدل رقبتها بل تبقى ملتوية). من هنا جاء التعبير القرآني البليغ والذي يحذرك من أن تصاب بهذا المرض، فلا تستطيع أن تعتدل رقبتك مرة ثانية إذا لويتها.
- وفي آية أخرى: (ولا تمش في الأرض مرحاً إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً) (الإسراء/ 37). تواضع.. يا إبن آدم.. تواضع. فأنت لن تملك شيئاً. فِلمَ تتكبر؟