لو كان عيسى بيننا لتبرَّأ من أناجيل النَّصارى !
لِماذَا ؟! لِأنَّها ببساطة ليست هي الإنجيل المذكور في القرآن , والذي أنزلَه اللَّهُ عليه . وسأعرض عليك , سيّدتي الكريمة , سيّدي الكريم , فيما يلي العديد من الأدلَّة على ذلك :
يعترفُ النَّصارى أنَّ الأناجيل التي بين أيديهم لَم يكْتُبها عيسى عليه السَّلام ولَم يُمْلِلْها على أتباعه , وإنَّما حرَّرها مُحرِّرُون من الجيل الأوَّل والجيل الثَّاني من النّصرانيَّة , فأصبحتْ تُنسَبُ إليهم ! فهي إذًا من تأليف بَشَر , وبالتَّالي لا يُمكنُ أن تكون هي الإنجيل الذي أنزلهُ اللَّهُ على عيسى عليه السَّلام .
ويعتمدُ النَّصارى اليوم على أربعة أناجيل , هي : إنجيل متى Saint-Matthieu , وإنجيل مرقس Saint-Marc , وإنجيل لوقا Saint-Luc , وإنجيل يوحنَّا Saint-Jean . وهي , مع الرَّسائل الملحَقَة بها , تُكَوِّنُ العهد الجديد Le Nouveau Testament . أمَّا أسفار التَّوراة الخمسة , مع الأسفار المنسُوبة إلى أنبياء بني إسرائيل , فتُسَمَّى العهد القديمAncien Testament . ويُكوِّنُ العهدُ القديم مع العهد الجديد ما يُسمَّى بالكتاب المقدَّس La Bible .
وقد تتلْمذَ متى ويوحنَّا على السَّيِّد المسيح , أمَّا مرقس ولوقا فلَم يَريَاه . وتُنسَبُ الرَّسائلُ الملْحَقَة بالأناجيل إلى : بولس , وله أربعة عشر رسالة , وهو لم يَلْقَ المسيح , وإلى بطرس ويعقوب ويهوذا ويوحنَّا , وكلّهم صَحِبُوا المسيح عليه السَّلام .
ويعتقدُ النَّصارى أنَّ الأناجيلَ والرَّسائلَ هي كلمةُ اللَّه التي ألْهَمَها الرُّوحُ القدسُ إلى بعض تلاميذ المسيح وتلاميذهم , فكتَبُوها بأمانة , فأصبحتْ كتاباتُهم مُقدَّسة لهذا السَّبب . ويُوضِّحون هذا الأمر قائلين أنَّ اللَّه تعالى اختار هؤلاء التَّلاميذ , فألْهَمَهُم ما يُريد إبلاغه إلى عباده , وعَصَمَهُم من الخطأ في التَّحرير والكتابة , فكَتبُوا الإلهامَ في أناجيل ورسائل , وأصبحتْ هذه الكتابات مُقَدَّسة وتُنسب إلى اللَّه .
فهل فعلاً هذه الكتابات مُقَدَّسة وخالية من الأخطاء ؟
يقول المؤرِّخُون أنَّ أقدم المخطوطات التي نُسِخَت عنها الأناجيلُ والرَّسائلُ , تعود إلى القرن الرَّابع الميلادي . وهذه المخطوطات ليستْ بِخَطِّ كُتَّاب الأناجيل , وإنَّما بِخَطِّ كُتَّابٍ جاءوا بعدَهم بأكثر من قَرنَيْن من الزَّمان , ولا يُعرَفُ أيّ سَنَد يَصِلُهم بالكُتَّاب الأصليِّين ! أيْ أنَّ إنجيل متى مثلاً , الذي يقرأه النَّصارى اليوم , ليس منسوخًا عن المخطوطة الأصليَّة التي كتبَها متى , وإنَّما منسوخًا عن مخطوطةٍ كتَبها إنسانٌ جاء بعده بأكثر من مائتي سنة , ولا تُعرفُ أيّة علاقة بين الرَّجُلَين !!
وهذا الأمرُ يكْفي وحدهُ للتَّشكيك في صحَّة نسبة الأناجيل والرَّسائل إلى أصحابها . وحتَّى لو سلَّمْنا بأنَّها منسوبةٌ إليهم فعلاً , فلا أحد يستطيعُ أن يجْزِمَ بأنَّ المخطوطات التي تعود للقرن الرَّابع مُطابقة حرفيًّا للأناجيل التي كَتبها متى ومرقس ولوقا ويوحنَّا !
ويَردُّ النَّصارى على هذا التَّشكيك بأنَّ المخطوطات التي وُجِدتْ عن الأناجيل والرَّسائل تُعَدُّ بالآلاف , وبالتَّالي لا حاجة لِمُقارنتها بالكُتب الأصليَّة التي كَتبها تلاميذ المسيح .
هذا ما يقولونه , ولكنَّ الذي يُخفُونه أنَّ هذه الآلاف من المخطوطات , على كَثْرتِهَا , ليس بينها مخطوطتان مُتَّفقتان في كلِّ النُّصوص ! نعم , فقد تعرَّضتْ جميعُها إلى الزِّيادة والنَّقص حسبَ مزاج النُّسَّاخ !! ثمَّ تراكمَ هذا التَّبديلُ على مَرِّ القرون حتَّى أصبحت الأناجيل والرَّسائل اليوم مملوءة بالأخطاء !!
وقد قام العديد من المحقِّقين النَّصارى في القرن العشرين بالبحث في كُتب العهد الجديد , فَوصلُوا إلى حقيقة خطيرة وهي أنَّه ليس ثَمَّة أيّ دليل واقعي على صحَّة نسبة الأناجيل إلى أصحابها ! بل إنَّ أكثر الأدلَّة تؤكِّد أنَّ الأناجيلَ الأربعة لا يُمكن أن تكون من تأليف تلاميذ المسيح !!
نعم , فقد تَوصَّلوا مثلاً إلى أنَّ العديد من نصوص إنجيل متى مُقتَبَسة عن إنجيل مرقس . وهذا يستوجبُ أن يكون متى قد كتبَ إنجيلَه بعد مرقس . لكنَّ التَّاريخ يُثبت أنَّ متى قد عاصر المسيح وصحِبَه , بخلاف مرقس الذي كان عمره وقتها حوالي عشر سنوات ! فكيفَ يَنقُلُ الشَّاهدُ للأحداث عن الغائب الذي لَم يحضُرها ؟!
كذلك , جاء في إنجيل متى : وفيمَا يَسُوعُ مُجتازٌ من هناكَ رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجِبَايَة اسمُه مَتَّى , فقال له : اتْبَعْني , فقامَ وتَبِعَه . (إنجيل متى – الإصحاح التَّاسع 9) . وهذا يدلُّ على أنَّ متى ليس هو كاتب هذا الكلام , لأنَّه لو كان كذلك , لقال : وفيمَا يَسُوعُ مُجتازٌ من هناكَ رآني جالسًا عند مكان الجِبَايَة , فقال لي : اتْبَعْني , فقُمتُ وتَبِعْتُه !
لهذا , نجدُ اليوم العديد من الباحثين النَّصارى ينكرُون صحَّة نسبة إنجيل متى إليه , ويقولون : إنَّه ليس من تأليف الحواري متى , تلميذ المسيح عليه السَّلام , وإنَّما هو لِمُؤلِّفٍ مجهول أخفَى شخصيَّته !
وأمَّا الرَّسائل : فإنَّ أغلَبها يُنسبُ إلى بولس الذي يُعتَبر مؤسِّس النّصرانيَّة المحرَّفة ! وأجدُ من المهمِّ الوقوف قليلاً عند هذا الرَّجل . وُلِدَ بولس لِأبَوَيْن يهوديَّيْن , وكان اسمه شاول , ثمَّ سَمَّى نفسه بولس بعد أن تَنَصَّر . وسبب تنصُّره أنَّه , حسب زعمه , رأى المسيح عليه السَّلام (بعد رفعه إلى السَّماء بسنوات , ولَم يكن رآه من قبل) , فأعطاه حينئذ منصب النُّبوَّة !!
والحادثة رواها بنفسه في أعمال الرُّسل , يقول : ولَمَّا كنتُ ذاهبًا في ذلك إلى دمشق بسُلْطان ووصيَّة من رُؤساء الكَهَنة , رأيتُ في نصْف النَّهار في الطَّريق , أيُّها الملِكُ , نُورًا من السَّماء أفضَل من لَمعان الشَّمس قد أبرقَ حوْلي وحولَ الذَّاهبين معي , فلَمَّا سقَطنا جميعُنا على الأرض سمعتُ صَوتًا يُكَلِّمُني باللُّغة العبرانيَّة : شَاوُل شاوُل , لِماذَا تَضطهدُني ؟ صعبٌ عليكَ أن ترفُس مَناخس , فقلتُ أنا : من أنتَ يا سَيِّد ؟ فقال : أنا يَسُوع الذي أنت تضطَهِدُه , ولكن قُم وقِفْ على رجلَيْكَ , لأنِّي لهذا ظهرتُ لكَ لأنتَخِبَكَ خادِمًا وشاهِدًا بِمَا رأيتَ وبِمَا سأظْهرُ لكَ به , مُنقِذًا إيَّاكَ من الشَّعب ومن الأمَم الذينَ أنا الآن أرسِلُكَ إليهم , لِتَفتحَ عُيُونَهم كيْ يَرجعُوا من ظُلُماتٍ إلى نُور ومن سُلطان الشَّيطان إلى اللَّه حتَّى ينالُوا بالإيمان بي غُفرانَ الخَطايَا ونصيبًا مع المقَدَّسين . (أعمال الرّسل – الإصحاح السَّادس والعشرون 12 – 18) .
ولكنَّ اللاَّفت للانتباه أنَّ هذه الحادثة الهامَّة ذُكِرتْ في عدَّة مواضع من أعمال الرُّسل , لكن بتفاصيل متناقضة ! فقد جاء في هذه الرِّواية أنَّ نورًا أبرقَ حول بولس وحول الذَّاهبين معه , وأنَّهم سقطُوا جميعًا على الأرض , وأنَّه سمع وحده صوتًا .
ولكن جاء في رواية أخرى : وأمَّا الرِّجالُ المسافرُون معه , فوَقَفُوا صامتينَ يسمعُون الصَّوتَ ولا ينظُرونَ أحدًا . (أعمال الرّسل – الإصحاح التَّاسع 7) . فهل سمع بولس الصَّوت وحده أم سمعه الذين معه أيضًا ؟!
وذُكِر هنا أنَّ الذين معه لَم يرَوا شيئًا , ولكن جاء في رواية أخرى : والذين كانُوا معي نَظرُوا النُّور وارتَعَبُوا , ولكنَّهم لم يسمعُوا صوتَ الذي كلَّمَني . (أعمال الرّسل – الإصحاح الثَّاني والعشرون 9) . وهذا معاكسٌ تَمامًا لِمَا جاء في الرِّواية السَّابقة ! وحدثٌ بمثل هذه الأهمِّيَّة في تاريخ النّصرانيَّة لا يُقبَل أن تقع فيه مثل هذه الاختلافات !!
ثمَّ إنَّ بولس كان قبل تنصُّره شديد العداوة للنَّصارى , وألحقَ بهم ألوانَ العذاب , وهذا بشهادته هو عن نفسه , حيث يقول : فأنا ارتأيتُ في نفسي أنَّه ينبغي أن أصنعَ أمورًا كثيرةً مُضادَّة لاسم يَسُوع النَّاصري . وفعلتُ ذلكَ أيضًا في أورشَليم , فحَبَسْتُ في سُجونٍ كثيرينَ من القِدِّيسينَ آخِذًا السُّلطانَ مِنْ قِبَل رُؤَساء الكَهَنَة , ولَمَّا كانُوا يُقْتَلُون ألقَيْتُ قُرْعَة بذلك , وفي كلِّ المجامع كنتُ أعاقِبُهم مِرارًا كثيرة وأضْطَرَّهم إلى التَّجديف , وإذ أفرَطَ حَنَقي عليهم كنتُ أطرُدُهم إلى المدُن التي في الخارج . (أعمال الرّسل – الإصحاح السَّادس والعشرون 9 – 11) .
فرُبَّما يَقبلُ العقلُ أن يَدخُل بُولس في النّصرانيَّة بعد أن كان شديد العداوة لها . لكن أن يُصبح قدِّيسًا ونبيًّا , فلا ! فجميع الأنبياء عليهم السَّلام لَم يكُونوا كفَّارًا أو معادين للرِّسالات السَّماويَّة الأخرى قبل نُبُوَّتهم .
ويُشَكِّكُ المحقِّقون من ناحية أخرى في نبوَّة بولس وقدِّيسيَّته لأنَّه يستبيحُ الكذب والنِّفاق للوصول إلى غايته , وهذا باعترافه هو حيث يقول : فصرْتُ لليهود كَيَهودي لِأربحَ اليهود , وللّذينَ تحت النَّاموس كأنّي تحت النَّاموس لِأربحَ الذين تحت النَّاموس , وللَّذين بِلا نامُوس كأنّي بِلا نامُوس , مع أنّي لستُ بِلا ناموس للَّه بل تحتَ نامُوسٍ للمسيح , لِأربح الذينَ بِلا ناموس . (كورنثوس 1 – الإصحاح التَّاسع 20 – 21) .
ويأخذه الغرور في موضع آخر , فيقول : ولكنَّها أكثرُ غبطةً إن لَبثَتْ هكذا بِحَسب رأيي . وأظنُّ أنِّي أنا أيضًا عندي روحُ اللَّه . (كورنثوس 1 – الإصحاح السَّابع 40) .
ويُسيء الأدبَ مع اللَّه في موضع آخر , فيقول : لأنَّ جهالةَ اللَّه أحْكَم من النَّاس , وضعفَ اللَّه أقوَى من النَّاس . ( كورنثوس 1 – الإصحاح الأوَّل 25) .
ويستحلُّ المحرَّمات , فيقول : كلُّ الأشياء تَحِلُّ لي لكن ليسَ كُلُّ الأشياء تُوافق . كلُّ الأشياء تَحِلُّ لي لكن لا يتسلَّطُ عَلَيَّ شيء . (كورنثوس 1 – الإصحاح السَّادس 12) .
وقد تَوقَّفنا هنا عند بولس لأنَّ النَّصارى اعتمدُوا على رسائله بالكامل لِبناء عقيدة الصّلب والفداء ! فهل يُعقَل أن يبني ملايينُ البشر عقيدتهم على أقوال شخص ادَّعَى النُّبوَّة وليس له شاهدٌ ولا دليل على ذلك , ولم يتتلمذ على السَّيِّد المسيح عليه السَّلام , ولم يأخُذ منه مبادئ النّصرانيَّة الصَّحيحة , وفوق كلِّ ذلك يكذب وينافق لِيَصل إلى مراده , ويُسيء الأدب مع اللَّه ؟!!
طبعًا , غير معقول ! ومع ذلك فإنَّ النَّصارى اتَّخذُوه مُشرِّعًا لهم !
هذا إذًا ما يقوله المؤرِّخون بخصوص الأناجيل والرَّسائل . أمَّا إذا حاولْنا التَّعمُّق في النُّصوص , فسنجدُ فيها العديد من الأخطاء والتَّناقضات والأقاويل التي لا يُمكن أبدًا نسبتُها إلى اللَّه تعالى , وإلى عبده ورسوله عيسى عليه السَّلام , ولا إلى الحواريِّين الذين صَحبُوا موسى عليه السَّلام وتتلمذُوا على يديه ونَصرُوه . وهذا ما سنبيِّنُه في العنصر الموالي بعون اللَّه .
---------------------- 5
هل هذا إلهامٌ أم قول بشر ؟!
ذكَرْنَا أنَّ النَّصارى يعتقدُون أنَّ متى ويوحنَّا ومرقس ولوقا , أصحاب الأناجيل الأربعة , كَتَبُوا أناجيلَهم بإلْهام من الرّوح القُدس , وعصَمهُم اللَّهُ تعالى من الخطأ في الكتابة . وكذلك الحال بالنِّسبة لِبولس وبطرس ويعقوب ويهوذا , أصحاب الرَّسائل . لكنَّ الغريب أنَّ كلَّ هؤلاء الكتَّاب , ما عدى بولس , لَم ينسبُوا الإلهامَ إلى أنفُسِهم ! بل الأغرب من ذلك : تحدَّثُوا عن أناجيلهم ورسائلهم على أنَّها مجهودٌ بشري بَحْت .
فقد كتب لوقا في مقدِّمة إنجيله : إذْ كان كثيرُون قد أخذُوا بتأليف قصَّةٍ في الأمور المتَيَقَّنَة عندنَا , كَما سلَّمَها إلينا الذينَ كانُوا منذُ البدْء مُعاينينَ وخُدَّامًا للكَلِمَة . رأيتُ أنا أيضًا , إذْ قد تَتبَّعْتُ كلّ شيء من الأوَّل بتَدقيقٍ , أن أكتبَ على التَّوالي إليكَ أيُّها العزيزُ ثاوُفيلُس لِتَعرفَ صحَّةَ الكلام الذي عُلِّمت به . (إنجيل لوقا – الإصحاح الأوَّل 1 – 4) .
فلم يذكُر لوقا في مقدِّمته شيئًا عن الإلهام الإلهي , وإنَّما ذكَر بالعكس أنَّ كتابهُ رسالةٌ شخصيَّة , كَتبها بِدَافع شخصي !
ولو تأمَّلْنا في الرَّسائل لَوَجدنا فيها العديد من المواضيع الشَّخصيَّة التي لا علاقة لها بالوحي أو بالإلهام !
فمثلاً , جاء في رسالة بولس : الرِّداءُ الذي تركْتُه في تَرواس عند كارْبُس , أحْضِرْهُ مَتَى جِئْتَ , والكُتُب أيضًا ولا سيَّما الرُّقُوق . (تيموثاوس 2 – الإصحاح الرَّابع 13) .
وجاء في رسالة يوحنَّا : سلامٌ لك , يُسلِّم عليكَ الأحبَّاء , سَلِّم على الأحبَّاء بأسمائهم . (يوحنَّا 3 – الإصحاح الأوَّل 15) .
ولو تأمَّلْنا في الأناجيل والرَّسائل لَوَجدنا فيها أيضًا بعض العبارات التي من المستحيل أن تكون وحيًا !
فمثلاً , جاء في إنجيل لوقا : ولَمَّا ابتدَأ يَسُوعُ كانَ له نَحْو ثلاثينَ سَنَة , وهو , على ما كان يُظَنُّ , ابن يُوسُف بن هالي . (إنجيل لوقا – الإصحاح الثَّالث 23) . فهل يُعقَل أنَّ اللَّه تعالى الذي ألْهَم لوقا في كتابة إنجيله , لا يعرفُ بالتَّدقيق متى ابتدأ يسوع , فقال : نَحْو ثلاثين سنة , ولا يعرفُ نَسبه بالضَّبط , فقال : وهو , على ما كانَ يُظَنُّ , ابن يُوسف ؟!!
وجاء في رسالة بولس : لستُ أقولُ على سبيل الأمر , بل باجْتِهاد آخَرين , مختبرًا إخلاصَ مَحَبَّتكُم أيضًا . (كورنثوس 2 – الإصحاح الثَّامن
. فهذا الكلام بالتَّأكيد ليس بإلهام !
ولو تأمَّلْنا في الأناجيل والرَّسائل لَوَجدنا فيها أيضًا أخطاء , شهد التَّاريخُ بخطئها !
فقد جاء في إنجيل متى : فإنَّ ابنَ الإنسان (أي المسيح) سوفَ يأتي في مَجْد أبيه مع ملائكَته , وحينَئِذ يُجازي كُلّ واحد حَسبَ عَمَلِه . الحَقَّ أقولُ لكُم , إنَّ مِنَ القِيَام هَهُنا قومًا لا يَذُوقون الموْتَ حتَّى يَرَوُوا ابنَ الإنسان آتِيًا في مَلَكُوته . (إنجيل متى – الإصحاح السَّادس عشر 27 – 28) .
وجاء في موضع آخر من إنجيل متى : ومَتَى طَردُوكُم في هذه المدينة فاهرُبُوا إلى الأخرى , فإنِّي الحقَّ أقولُ لكُم , لا تُكَلِّمون مُدُنَ إسرائيلَ حتَّى يأتي ابنُ الإنسان (أي المسيح) . (إنجيل متى – الإصحاح العاشر 23) .
وجاء في موضع آخر أيضًا من إنجيل متى : وفيمَا هو جالسٌ على جَبل الزَّيتون , تقدَّم إليه التَّلاميذُ على انفراد قائلين : قل لنا متَى يكونُ هذا وما هيَ علامةُ مَجيئكَ وانقضاء الدَّهر ؟ فأجاب يَسُوع : ... وحينَئذ تَظْهرُ علامةُ ابن الإنسان في السَّماء . وحينَئذ تَنُوح جميعُ قبائل الأرض ويُبصرُون ابنَ الإنسان (أي عيسى) آتِيًا على سَحاب السَّماء بقُوَّة ومَجْد كثير ... الحقّ أقولُ لكُم : لا يَمضِي هذا الجيلُ حتَّى يكون هذا كُلّه . (إنجيل متى – الإصحاح الرَّابع والعشرون 3 – 34) .
ففي هذه النُّصوص , يزعُم كاتب هذا الإنجيل أنَّ عيسى عليه السَّلام أخبر تلاميذه عن قُرب نهاية العالَم , وحدَّدها بأنَّها ستكُون في جيلهم : " لا يَمضِي هذا الجيلُ حتَّى يكون هذا كُلّه " , حتَّى أنَّه ذكَر بأنَّ بعضهم سيكون حاضرًا : " إنَّ مِنَ القِيَام هَهُنا قومًا لا يَذُوقون الموْتَ حتَّى يَرَوُوا ابنَ الإنسان (أي عيسى) آتِيًا في مَلَكُوته " .
ولكنَّ الواقع يشهدُ بأنَّ الجيل الأوَّل انقضَى , وانقضتْ بعده أجيال وأجيال , ومَرَّت أكثر من ألفَيْ سنة , ولم تتحقَّق هذه النُّبوءة المنسوبة كذبًا إلى عيسى عليه السَّلام !
وطبعًا , هذه النُّصوص سبَّبَتْ إحراجًا كبيرًا للنَّصارى , فلم يجدُوا إلاَّ الرَّدَّ بأنَّ المقصود هو قِيَامة المسيح بعد أيَّامٍ مِن صَلْبه ! لكنَّ الذي تجاهلُوه هو أنَّ هذه النُّصوص أشارت بوضوح إلى عودة المسيح في نهاية الزَّمان , وذلك واضحٌ في سُؤال تلاميذه له : " وما هيَ علامةُ مَجيئكَ وانقضاء الدَّهر ؟ " .
ثمَّ إنَّ هذه النُّصوص بَيَّنتْ أنَّ هذا المجيء سيكُون كما يَلي : " ويُبصرُون ابنَ الإنسان (أي عيسى) آتِيًا على سَحاب السَّماء بقُوَّة ومَجْد كثير " . بينَما ذكَرت الأناجيل أنَّ المسيحَ لَمَّا قام بعد صلبه المزعوم , كان مُتَخَفِّيًا , ولَم يأتِ على سحاب بقُوَّة ومَجْد !!
ومن النُّصوص التي شهد التَّاريخُ بِخَطَئِها أيضًا , ما جاء في خاتمة إنجيل مرقس , بعد حديثه عن صلب المسيح وقيامته وظهوره لبعض النَّاس : أخيرًا ظهرَ لِلأحَدَ عَشَر (وهم تلاميذه) وهم مُتَّكِئُون , ووبَّخَ عدَم إيمانِهم وقَسَاوةَ قُلُوبهم لِأنَّهم لَم يُصَدِّقُوا الذين نَظَرُوه قد قام . وقال لهم : اذْهَبُوا إلى العالَم أجْمَع واكْرِزُوا بالإنجيل لِلخَليقة كُلِّها . مَنْ آمَن واعتَمَد خَلص , ومَنْ لَم يُؤمِنْ يُدَنْ . وهذه الآياتُ تَتبعُ المؤمنينَ : يُخرِجُون الشَّياطينَ باسْمِي , ويتكلَّمون بألْسِنَة جديدة . يَحْملُون حَيَّاتٍ , وإن شَربُوا شيئًا مُميتًا لا يَضُرُّهم , ويَضَعُون أيْديهم على المرْضَى فَيَبرأون . (إنجيل مرقس – الإصحاح السَّادس عشر 17 – 18) .
وجاء في موضع آخر من إنجيل مرقس : فتذكَّر بُطْرس وقال له : يا سَيِّدي , انظُر التِّينَةَ التي لَعَنْتَها قد يَبسَتْ . فأجاب يَسُوع : لِيَكُنْ لَكُم إيمانٌ باللَّه لِأنِّي الحقَّ أقولُ لكُم : إنَّ مَنْ قالَ لِهذَا الجبَل انْتَقِلْ وانطَرِحْ في البحر , ولا يَشُكُّ في قَلْبه بل يُؤمنُ أنَّ ما يَقوله يكُون , فَمَهْما قال يكونُ له . لذلكَ أقولُ لكم : كلّ ما تَطْلُبونَه حينَما تُصَلُّون , فآمِنُوا أن تَنالُوه فيكُون لكم . (إنجيل مرقس – الإصحاح الحادي عشر 21 – 24) .
وجاء في إنجيل يوحنَّا : الحقَّ الحقَّ أقولُ لكُم : مَن يُؤمِنُ بي , فالأعمالُ التي أنا أعملُها يَعمَلُها هو أيضًا , ويَعملُ أعظَم منها لأنّي ماضٍ إلى أبي . (إنجيل يوحنَّا – الإصحاح الرَّابع عشر 12) .
ففي هذه النُّصوص يزعُم كاتبُو هذه الأناجيل أنَّ عيسى عليه السَّلام ضمنَ لهم أنَّ كلَّ من يُؤمن به (أي كلّ نصراني) يَستطيعُ صُنعَ المعجزات التي صنَعَها هو , مِن شفاء المرضَى وإحياء الموتى !!
بل ويُؤكِّدُ لهم في نصٍّ آخر أنَّ مَنْ يعجزُ عن فعْل مثل هذه المعجزات , فهو ليس بِمُؤمن !! فقد جاء في إنجيل متى : ولَمَّا جاءُوا إلى الجمْع تقدَّم إليه رجُلٌ جاثِيًا له وقائلاً : يا سَيِّد , ارْحَم ابْني فإنَّه يُصرَعُ ويتألَّم شديدًا ويقعُ كثيرًا في النَّار وكثيرًا في الماء , وأحضَرْتُه إلى تلاميذكَ فلَم يَقْدِرُوا أن يشْفُوه . فأجابَ يَسُوع : أيُّها الجِيلُ غَيْر المؤمن الملْتَوي , إلى مَتى أكونُ معكُم ؟ إلى مَتى أحْتَمِلُكم ؟ قَدّموه إلَيَّ هَهُنا . فانتَهره يَسُوع , فخرج منه الشَّيطانُ , فشُفِيَ الغلامُ من تلكَ السَّاعة . ثمَّ تقدَّم التَّلاميذُ إلى يَسوع على انفراد وقالُوا : لِماذا لم نَقدِرْ نحنُ أن نُخرجَه ؟ فقال لهم يَسوع : لِعَدم إيمانكُم . فالحقَّ أقولُ لكم : لو كان لكُم إيمانٌ مثل حَبَّة خَردَل لَكُنتم تقولون لهذا الجبَل : انْتَقِلْ من هنا إلى هناك , فينتقلُ ولا يكونُ شيءٌ غير مُمكِن لَدَيْكُم . (إنجيل متى – الإصحاح السَّابع عشر 14 - 21) .
ولكنَّ التَّاريخ يَشهد بأنَّ النَّصارى , بِما فيهم الباباوات والقساوسة , لم يستطع أحدٌ منهم أن يفعل ولو معجزة واحدة طوال حياته ! فإمَّا أنَّهم كلّهم ليس في قلْبهم مقدار حبَّة خَردل من إيمان , أو أنَّ ما جاء في الأناجيل ليس بصحيح !!
بل إنَّ النَّصارى ذهبُوا أكثر من ذلك في الافتراء على المسيح عليه السَّلام . فقد جاء في إنجيل يوحنَّا أنَّ المسيح قال : إن كان أحدٌ يحفظُ كلامي , فلَنْ يَرَ الموتَ إلى الأبد . (إنجيل يوحنَّا – الإصحاح الثَّامن 51) . فهلْ يستطيع النَّصارى أن يُخبرونا : لِماذا إذًا مات تلاميذُ المسيح عليه السَّلام , ومات بولس الرَّسول المزعوم , ولَم يُخلَّد أحدٌ من الباباوات ؟!! هل أنَّ أحدًا منهم لم يستطع أن يحفظَ كلام المسيح ؟!!
ومن النُّصوص التي شهد التَّاريخُ بِخَطَئِها أيضًا , ما جاء في إنجيل مرقس : وابتدأ بُطْرس يقول له : ها نحنُ قد تركْنَا كلَّ شيء وتَبعْناكَ . فأجابَ يَسوع : الحقَّ أقول لكُم : ليس أحدٌ تركَ بيتًا أو أخوةً أو أخوات أو أبًا أو أمًّا أو امرأة أو أولادًا أو حقولاً لِأجلي ولِأجل الإنجيل , إلاَّ ويأخذُ مائة ضِعْف الآن في هذا الزَّمان بُيوتًا وأخوةً وأخوات وأمَّهات وأولادًا وحقولاً مع اضطهادات , وفي الدَّهر الآتي الحياة الأبديَّة . (إنجيل مرقس – الإصحاح العاشر 28 - 30) .
فهل يستطيع النَّصارى أن يُفهمونا : كيف يُمكنُ لِأتباع المسيح أن يُصبح لهم مائة ضعف من البيوت والحقول والأخوة والأخوات والأمَّهات والأولاد ؟!! والنَّصُّ واضح الدَّلالة أنَّ هذا التَّعويض يكون في الدُّنيا : " في هذا الزَّمان " .
طبعًا , لن يستطيعُوا الإجابة لأنَّ التَّاريخ يشهد بأنَّ أتباع المسيح لم ينالُوا شيئًا من كلِّ هذا !
ولو تأمَّلْنا في الأناجيل والرَّسائل لَوَجدنا فيها أيضًا أحداثًا يَرفضها العقل والمنطق !
فقد جاء في إنجيل متى مثلا عن العجائب التي حصلَتْ بعد الصَّلب المزعوم للمسيح : فصرخَ يسُوعُ أيضًا بصَوت عظيم وأسلمَ الرُّوح . وإذا حجابُ الهيكل قد انشقَّ إلى اثنيْن من فوق إلى أسفل , والأرضُ تزلزلَتْ والصُّخورُ تشقَّقتْ , والقبور تفتَّحتْ , وقام كثيرٌ منْ أجساد القِدِّيسين الرَّاقدين , وخرجُوا منَ القُبور بعد قِيَامَته ودخلُوا المدينةَ المقدَّسة وظهرُوا لِكَثيرين . (إنجيل متى – الإصحاح السَّابع والعشرون 50– 53) .
فالحديث عن قيامة كثير من القدِّيسين من قبورهم وظهورهم للنَّاس , هو كذبٌ لا محالة , لأنَّه لو كان وقعَ لتحدَّثتْ به كلُّ الأناجيل نظرًا لأهَمِّيَّته ! ولكنَّ هذا الحدث ذكَره متى فقط ! ثمَّ إنَّه لم يذكُر بعدَه ما كان من أمر هؤلاء القدِّيسين : هل عادوا إلى أهليهم وعاشوا معهم , أم أنَّهم ماتُوا في نفس اليوم ؟!
ولو تأمَّلْنا في الأناجيل والرَّسائل لَوَجدنا بينها تناقضات كثيرة !
فقد جاء في إنجيل مرقس مثلاً عند الحديث عن الصّلب المزعوم للمسيح عليه السَّلام : وأعطَوْه خَمرًا ممزوجةً بِمُرٍّ لِيَشربَ , فلَم يَقبلْ . (إنجيل مرقس – الإصحاح الخامس عشر 23) .
لكنَّ متى نقلَ هذه الجملة عن مرقس , ثمَّ بدَّلَ فيها بعض الألفاظ , فأصبحتْ : أعطَوْه خَلاًّ مَمزوجًا بِمَرارة لِيَشربَ . ولَمَّا ذاق لَم يُردْ أن يَشرب . (إنجيل متى – الإصحاح السَّابع والعشرون 34) .
فأبدلَ متى الخمر بالخَلِّ , والمرّ بِمَرارة !
وجاء في إنجيل مرقس عن آخِر أقوال المسيح عليه السَّلام عند صلبه المزعوم : وفي السَّاعة التَّاسعة صرخَ يَسوعُ بِصَوت عظيم قائلاً : إلُوي , إلُوي , لِمَ شَبَقْتَني (الذي تفسيره : إلَهي , إلَهي , لماذا تَركْتَني ؟!) . (إنجيل مرقس – الإصحاح الخامس عشر 34) .
لكنَّ لوقا لَم تُعجبه هذه الجملة , لأنَّه رأى أنَّها لا تتوافق مع عقيدة الفداء التي تقول بأنَّ المسيح عليه السَّلام صُلِبَ لِيَفتديَ أتباعه , فنقلَها لوقا عن مرقس ثمَّ أبدلَها لِتُصبح : ونادَى يَسوع بِصَوت عظيم : يا أبَتاه , في يَدَيْكَ أسَتَودِعُ رُوحي . (إنجيل لوقا – الإصحاح الثَّالث والعشرون 46) .
وجاء في إنجيل مرقس أنَّ المسيح عليه السَّلام شَفَى رجُلاً أعمَى . يقول مرقس : وجاءُوا إلى أريحَا . وفيما هو خارجٌ من أريحا مع تلاميذه وجَمْع غفير , كان بارتيمَاوس الأعمى ابنُ تيمَاوس جالسًا على الطَّريق يَسْتعطي . فلَمَّا سمع أنَّه يَسوعُ النَّاصري , ابتدأ يَصرخ ويقول : يا يَسوع بن داود ارحَمني . فانتهرهُ كثيرون لِيَسكُت , فصرخ أكثر كثيرًا : يا ابنَ داود ارحَمني . فوقفَ يَسوع وأمَر أن يُنادَى , فنادَوا الأعمى قائلين له : ثِقْ , قُمْ , هُوَذَا يُناديك . فطرح رداءهُ وقام وجاء إلى يَسوع . فسأله يَسوع : ماذا تُريدُ أن أفعل بك ؟ فقال له الأعمى : يا سَيِّدي , أن أبْصِر . فقال له يَسوع : اذْهَبْ , إيمانُكَ قد شَفاكَ . فَلِلْوَقِتِ أبصرَ , وتبعَ يَسوعَ في الطَّريق . (إنجيل مرقس – الإصحاح العاشر 46 - 52) .
لكنَّ متى روى نفس القصَّة , فجعلَ الرَّجل الأعمى رجُلَين اثنَيْن ! يقول : وفيمَا هم خارجُون من أريحَا تَبِعهُ جَمعٌ كثير . وإذَا أعْمَيان جالسان على الطَّريق . فلَمَّا سَمعَا أنَّ يَسوع مُجتازٌ صرخَا قائلَيْن : ارحَمنا يا سيِّدُ يا ابنَ داوُد . فانْتَهرهُما الجمعُ لِيَسكُتا , فكانَا يَصرُخان أكثَر قائلَيْن : ارحَمنا يا سيِّدُ يا ابنَ داوُد . فوقفَ يَسوع وناداهُما وقال : ماذا تريدان أن أفعلَ بكُما ؟ قالا له : يا سيِّدُ , أن تنفتحَ أعيُنُنا . فتحنَّن يَسوعُ ولَمس أعْيُنهما , فَلِلْوقت أبصرتْ أعيُنُهما فتَبعاه . (إنجيل متى – الإصحاح العشرون 29 – 34) .
وجاء في إنجيل متى ذِكْرٌ لِنَسَب المسيح عليه السَّلام على هذا النَّحو : كتابُ ميلاد يَسوع المسيح ابن داوُد ابن إبراهيم . إبراهيم ولَد إسحاق . وإسحاق ولَد يعقوب . ويعقوب ولَد يَهوذا وإخوته ... (إنجيل متى – الإصحاح الأوَّل 1 – 17) .