لكنَّ لوقا ذكَر نسبًا آخر للمسيح مختلفًا عمَّا ذكَره متى , يقول : ولَمَّا ابتدأ يَسوع كان له نحو ثلاثين سنة , وهو على ما كان يُظَنُّ , ابنُ يُوسُف بن هالي بن مَتثات بن لاوي بن ملكي بن يَنَّا بن يُوسف ... (إنجيل لوقا – الإصحاح الثَّالث 23 – 38) .
فهل يُعقَل أنَّ روح القدس , الذي ألهمَ متى ولوقا في كتابة إنجيلَيْهما , اختلطت المعلومات في ذهنه , فأوحى لكلِّ واحد منهما نسبًا مختلفًا ؟! ثمَّ لِماذا لم يذكُر مرقس ويوحنَّا نسَب المسيح ؟! هل أنَّ روح القدس نسيَ أن يُمْلِلْه عليهما أم أنَّه لم يَرَ في ذكْر ذلك أيَّة أهمِّيَّة ؟! وإذا كان الأمرُ كذلك , فكيفَ لنا أن نثق في ما جاء في هذه الأناجيل من أخبار أخرى عن المسيح عليه السَّلام وغيره ؟!
ومن بين التَّناقضات بين الأناجيل أيضًا : اختلافها في أسماء تلاميذ المسيح ! فقد جاء في إنجيل لوقا : ولَمَّا كان النَّهار دعا تلاميذه واختار منهم اثْنَيْ عشر الذين سَمَّاهم أيضًا رُسُلاً : سِمْعان الذي سمَّاه أيضًا بُطرس , وأندراوس أخاه , يعقوب , ويوحنَّا , فيلبس , وبرتولَماوس , متى , وتوما , يعقوب بن حلفَى , وسِمعان الذي يُدعى الغَيُور , يَهوذا بن يعقوب , ويَهوذا الإسخَريُوطي الذي صار مُسَلِّمًا أيضًا . ( إنجيل لوقا – الإصحاح السَّادس 13- 16) .
بينما جاء في إنجيل متى : وأمَّا أسماء الاثنَيْ عشَر رسولاً فهي هذه : الأوَّلُ سِمعان الذي يُقال له بُطرس , وأندراوس أخوه , يعقوب بن زَبْدي , ويُوحنَّا أخوه , فيلبس , وبرتولَماوس , توما , ومتى العشَّار , يعقوب بن حلْفَى , ولبَّاوس الملقَّب تَدَّاوس , سِمعان القانَويّ , ويَهوذا الإسخريوطي الذي أسْلَمه . (إنجيل متى – الإصحاح العاشر 2 – 4) .
فلوقا ذكَر : يهوذا بن يعقوب , بينما ذكَر متى بدلا عنه : لَبَّاوس الملقَّب تدَّاوس ! وذكَر لوقا : سِمعان الذي يُدعى الغَيُور , بينما ذكَر متى : سِمعان القانَويّ !
فأيُّ الأناجيل أصحُّ إذًا ؟!
ومن بين التَّناقضات بين الأناجيل ما ورد في وصيَّة المسيح لتلاميذه . فقد جاء في إنجيل مرقس : ودَعا الاثنَي عشر , وابتدأ يُرسلُهم اثْنَين اثْنَين , وأعطاهم سلطانًا على الأرواح النَّجسة . وأوصاهم أن لا يحملُوا شيئًا للطَّريق غير عصًا فقط , لا مِزْودًا ولا خُبزًا ولا نُحاسًا في المنطقة , بل يكونُوا مَشدُودين بنِعال ولا يلبسُوا ثَوبَين . (إنجيل مرقس – الإصحاح السَّادس 7 – 9) .
ولكن جاء في إنجيل لوقا : ودَعا تلاميذه الاثنَي عشر ... وقال لهم : لا تحمِلُوا شيئًا للطَّريق , لا عصًا ولا مِزْودًا ولا خُبزًا ولا فضَّة , ولا يكون للواحد ثَوبان . (إنجيل لوقا – الإصحاح التَّاسع 1- 3) .
فهل أوصى المسيحُ تلاميذَه بأخذ العصا أم بتركها ؟!
وجاء في إنجيل متى : هؤلاء الاثنا عشر أرسلَهم يَسوع وأوصاهم قائلاً : ... لا تَقْتَنُوا ذَهبًا ولا فضَّة ولا نُحاسًا في مناطقكم , ولا مِزْودًا للطَّريق ولا ثَوبَين ولا أحذيَة ولا عصًا لأنَّ الفاعل مُستحقٌّ طعامه . (إنجيل متى – الإصحاح العاشر 5 – 10) .
فهل أوصى المسيحُ تلاميذَه بأخذ الأحذية أم بتركها ؟!
ومن بين التَّناقضات بين الأناجيل : جاء في إنجيل لوقا : وكان عبدٌ لِقائد مائة مريضًا مُشرفًا على الموت , وكان عزيزًا عنده . فلمَّا سمعَ عن يَسوع أرسلَ إليه شُيوخَ اليهود يسألُه أن يأتي ويَشفي عبدَه . فلَمَّا جاءُوا إلى يَسوع طلبُوا إليه باجتهاد قائلين : إنَّه مُستحِقٌّ أن يُفعَل له هذا لأنَّه يُحبُّ أمَّتنا وهو بَنَى لنا المجمع . (إنجيل لوقا – الإصحاح السَّابع 2 – 6) .
ولكن جاء في إنجيل متى : ولَمَّا دخلَ يَسوعُ كَفْر ناحُوم , جاء إليه قائدُ مائة يطلبُ إليه ويقول : يا سيّد , غلامي مَطروحٌ في البيت مَفلوجًا متعذّبًا جدّا . فقال له يَسوع : أنا آتي وأشفيه . (إنجيل متى – الإصحاح الثَّامن 6 – 7) .
فهل جاء القائدُ بنفسه إلى المسيح أم أرسل إليه شيوخ اليهود ؟!
قد تقول سيِّدي الكريم : ولكنَّ هذه التَّناقضات ليست لها أهمِّيَّة كبيرة . المهمُّ أنَّ القصَّة حدثَتْ فعلاً .
أقول : كلامكَ صحيح لو كنَّا نتحدَّث عن اختلافات بين بشر في رواية أحداث تاريخيَّة . لكن أن تكون هذه الاختلافات في كُتب يَدَّعي النَّصارى أنَّها وحيٌ من عند اللَّه , فهذا الأمر لا يُقبَل أبدًا !!
ومن بين التَّناقضات بين الأناجيل ما ورد في قصَّة إبليس لعنه اللَّه مع المسيح عليه السَّلام . فقد جاء في إنجيل متى : ثمَّ أخذه إبليسُ إلى المدينة المقدَّسة وأوقَفه على جناح الهيكَل , وقال له : إن كنتَ ابنَ اللَّه , فاطرحْ نفسَكَ إلى أسفل لأنَّه مكتوبٌ أنَّه يوصي ملائكتَه بكَ , فعَلَى أياديهم يَحمِلُونك لكي لا تَصدِمَ بِحَجَر رِجْلَك . قال له يَسوع : مكتوبٌ أيضًا : لا تُجَرّب الرَّبَّ إلَهك . ثمَّ أخذهُ أيضًا إبليسُ إلى جبل عالٍ جدًّا وأراهُ جميعَ مَمالِك العالَم ومَجْدها , وقال له : أعطيكَ هذه جميعَها إن خررتَ وسجدتَ لي . (إنجيل متى – الإصحاح الرَّابع 5 – 9) .
ولكن جاء في إنجيل لوقا ترتيبٌ آخر : ثمَّ أصعدهُ إبليسُ إلى جبل عالٍ وأراهُ جميعَ مَمالك المسكونة في لحظة من الزَّمان . وقال له إبليس : لكَ أعطي هذا السُّلطان كلَّه ومَجْدهنَّ لأنَّه إلَيَّ قد دُفع , وأنا أعطيه لِمَن أريد . فإن سجدتَ أمامي يكون لكَ الجميع . فأجابه يَسوع : اذهبْ يا شيطان , إنَّه مكتوبٌ : للرَّبِّ إلَهكَ تسجُد وإيَّاهُ وَحده تعبُد . ثمَّ جاء به إلى أورشَليم وأقامَه على جناح الهيكَل وقال له : إن كنتَ ابنَ اللَّه فاطرح نَفسكَ من هنا إلى أسفل لأنَّه مكتوبٌ أنَّه يُوصي ملائكَته بكَ لكي يحفظوكَ , وأنَّهم على أياديهم يَحملونكَ لكي لا تَصدِم بِحَجر رِجْلَك . (إنجيل لوقا – الإصحاح الرَّابع 5 – 11) .
فهل كانت التَّجربة الأولى على الجبل والثَّانية على جناح الهيكل أم العكس ؟!
ومن بين التَّناقضات بين الأناجيل : جاء في إنجيل مرقس : ثمَّ قام قومٌ وشهدُوا عليه زُورًا قائلين : نحنُ سمعناهُ يقول : إنِّي أَنقُضُ هذا الهيكلَ المصنُوع بالأيادي , وفي ثلاثة أيَّام أبْنِي آخر غير مَصنوع بأيادٍ . (إنجيل مرقس – الإصحاح الرَّابع عشر 57 - 58) . معنى هذا أنَّ المسيح عليه السَّلام لم يقُل هذا الكلام , وأنَّ القوم شهدُوا عليه زورًا .
ولكن جاء في إنجيل يوحنّا : فسألَه اليهود : أيَّة آية تُرينا حتَّى تفعلَ هذا ؟ أجاب يَسوع : انْقُضُوا هذا الهيكل , وفي ثلاثة أيَّام أُقيمُه . (إنجيل يوحنّا – الإصحاح الثَّاني 18- 19) .
وهذا يعني أنَّ المسيح عليه السَّلام قال فعلاً هذا الكلام ! فهل نُصدِّق مرقس أم يوحنّا ؟!
وتنسِبُ الأناجيلُ إلى المسيح عليه السَّلام أقوالاً متناقضة !
فقد جاء في إنجيل متى مثلاً أنَّ المسيح مدحَ بطرس , فقال : وأنا أقول لك أيضًا : أنتَ بُطرس , وعلى هذه الصَّخرة أَبْني كنيستي وأبوابُ الجحيم لن تَقْوى عليها . وأعطيكَ مفاتيحَ ملكُوت السَّماوات , فكلّ ما تربطُه على الأرض يكون مربوطًا في السَّماوات , وكلّ ما تَحُلّه على الأرض يكون محلولاً في السَّماوات . (إنجيل متى – الإصحاح السَّادس عشر 18- 19) .
لكن ورد نقيضُ هذا المديح بعد ذلك بأسطر قليلة ! فجاء في نفس الإنجيل ونفس الإصحاح : فالتفتَ وقال لِبُطرس : اذهبْ عنِّي يا شيطان . أنت مَعْثرةٌ لي لأنَّك لا تهتمّ بِمَا للَّه لكن بِمَا للنَّاس . (إنجيل متى – الإصحاح السَّادس عشر 23) .
فأيُّ الأقوال تصدُق في حقِّ بطرس : هل هو رسولٌ أم شيطان ؟! ثمَّ ما هو مصير المسيح عليه السَّلام وقد وصف تلميذه بالشَّيطان , حسب زعم متى , بينما جاء في نفس الإنجيل أنَّ المسيح قال : وأمَّا أنا فأقول لكم : إنَّ كلَّ مَنْ يغضبُ على أخيه باطلاً يكونُ مُستَوجِبَ الحُكْم , ومَنْ قال لأخيه رقَا يكونُ مُستَوجِبَ المجمَع , ومَنْ قال يا أحمَق يكونُ مُستَوجِبَ نار جهنَّم . (إنجيل متى – الإصحاح الخامس 22) .
فإذا كان الذي يقول : يا أحمق , يستَوجِبُ النَّار , فمَا هو إذًا جزاءُ مَن يقول لأخيه : يا شيطان ؟!
طبعًا مصيرُ المسيح عليه السَّلام سيكون إن شاء اللَّه مع النَّبيِّين في أعلى درجات الجنَّة . هذا ما ذكره اللَّه تعالى في القرآن الكريم , وما أكَّده نبيُّه محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في أحاديثه الشَّريفة . أمَّا ما ورد في إنجيل متى من أقوال منسوبة إلى المسيح عليه السَّلام , فهو منها براء !
قد تقولين سيِّدتي الفاضلة : ولكن كيف لم يُلاحظ النَّصارى واليهود وجود كلّ هذه الأخطاء في كُتبهم المقدَّسة ؟!
أقول : لأنَّ التَّوراة والأناجيل والرَّسائل وغير ذلك من الكتابات المقدَّسة , لم تكن في البداية في مُتناول عامَّة النَّاس , وإنَّما كانت تنتقل فقط بين رجال الكنيسة وأحبار اليهود ! ثمَّ ظهرت الطّباعة , فبدأت هذه الكتاباتُ تنتشر بين العامَّة في القرن السَّادس عشر , وصاحَبَ ذلك مَوْجةٌ من التَّساؤلات أُمطِرَ بها رجالُ الدِّين ! فراح هؤلاء يبحثُون عن إجابات مقنعة , ولَمَّا لم يجدُوا , أصبحُوا يُردِّدون كلامًا معقَّدًا وغامضًا , لا يفهمه أحد ولا يقبله عقلٌ ولا منطق !!
والغريبُ أنَّ الكثير اليوم من أحبار اليهود ورجال الكنيسة على عِلْم تامٍّ بالأغلاط والتَّناقضات الموجودة في الكتاب المقدَّس . ولكن , عِوَض أن يَدفعهم هذا العلمُ إلى البحث عن مدى صحَّة ديانتهم , أغلقُوا بالعكس عقولَهُم في وجه الحقيقة , فضَلُّوا وأضلُّوا !!
وإنَّ أيَّ إنسان عاقل ونزيه يستطيع أن يجزم بأنَّ التَّناقضات والأغلاط التي تعرَّضنا لها في هذا العنصر , لا تقبلُ التَّأويل , بل تدلُّ بوضوح على أنَّ الأناجيل والرَّسائل لا يمكنُ أن تكون وحيًا من عند اللَّه , وإنَّما هي من تأليف بشَر ومِن تفكيرهم الخاصّ , ولم يُساعدهم في كتابتها روحُ القُدس كما يدَّعي النَّصارى .
وصدق اللَّهُ العظيم حين أعلن أنَّ كلَّ كتاب يحتوي على تناقضات وأغلاط , لا يُمكنُ أن يكون وحيًا من عنده . يقول اللَّه تعالى في القرآن الكريم : { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا 82 } (4- النّساء 82) . فقد وُجِدتْ فعْلاً الاختلافاتُ والأغلاطُ والافتراءاتُ على اللَّه سبحانه وعلى أنبيائه الكرام , في التَّوراة الموجودة اليوم عند اليهود والأسفار المصاحبة لها , وفي الأناجيل والرَّسائل الموجودة اليوم عند النَّصارى , فهي إذًا من عند غير اللَّه !
---------------------- 5
ولو كان عيسى بيننا لتبرَّأ من النَّصارى !
لِماذَا ؟! لأنَّهم رفعوه عن مكانة العبد الرَّسول , فجعلُوا منه ابنًا للَّه , وعبدُوه , ونَسبُوا إليه أقوالاً وأفعالاً مليئة بالكفر , وهو منها براء !
وقد تتساءل سيِّدي الكريم : ولكن , من أين جاء النَّصارى بعقيدة الصَّلب والفداء والخلاص المذكورة خاصَّة في رسائل بولس وإنجيل يوحنَّا ؟
أقول : أمَّا عن الصَّلب , فقد وقع فعْلاً , وسجَّلَتْهُ كتبُ التَّاريخ ! لكنَّ الذي صُلِبَ حقًّا لَم يكُن المسيح عليه السَّلام وإنَّما أحد تلاميذه , ألقَى اللَّهُ عليه شبَه عيسَى , فأخذه اليهودُ في ذلك الزَّمان وصلَبُوه ووضعُوا الشَّوكَ على رأسه , ظانِّين أنَّه المسيح . ورفَع اللَّهُ عيسى عليه السَّلام إلى السَّماء , وسيعود في آخر الزَّمان , ليس لِيُخلِّص النَّصارى , وإنَّما لِيحكُم بالإسلام ولا يقبل دينًا غيره !
نعم , هذا ما ذكره القرآن ووضَّحه النَّبيُّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , وسنتحدّثُ عن هذا الأمر بشيء من التَّفصيل في عناصر لاحقة إن شاء اللَّه . وقد كان بعضُ تلاميذ عيسى عليه السَّلام حاضرين معه عندما رفعَه اللَّه إليه , وهؤلاء بَقوا على دينه الحقّ , يَدعُون إلى ما دعا إليه مِن عبادة اللَّه وحده , ويقولون أنَّ عيسى عبدُ اللَّه ورسولُه , ولم يقولُوا أبدًا بعقيدة الفداء والخلاص !
لكنَّ الذين وقعُوا في الخطأ , هم فريقٌ آخر من النَّصارى أصرُّوا على أنَّ الذي صُلِبَ هو المسيح عليه السَّلام . ولَمَّا لم يجدُوا أيّ تفسير عقائدي لهذا الصَّلب , بَحثُوا في الدِّيانات الوثنيَّة السَّائدة وَقتها , فوجدُوا فيها أنَّ الإلهَ يمكن أن يكون له أبناء وزوجة وشُركاء , وأنَّه يمكن أن ينزل إلى الأرض أو يَبعث إليها مَن يَنُوبه ليُحارب الشَّرَّ ويُخلِّص أتباعه ثمَّ يعود إلى السَّماء , وأنَّ الآلهة المتعدِّدة يُمكن أن تُجمَع في صورة إله واحد ذي عدَّة أقانيم ! ويكفي أن تدرس سيِّدي بعض الآلهة , مثل الفيشنو Vishnou والكرشنا Krishna في الدِّيانة الهندوسيَّة , والبوذا Bouddha في الدِّيانة البوذيَّة , وبعل Baal عند البابليِّين القُدامى , لِتَجد كلَّ هذه المعتقدات !
فاستوحى النَّصارى إذًا من هذه الدِّيَانات مسألة الفداء والخلاص , واستحدثُوا نَظريَّة الخطيئة الموروثة لِتبرير الصَّلْب المزعوم للمسيح , وتبنَّوْها كعقائد وأصبحُوا يَدعُون إليها ! فقد جاء في رسالة يوحنَّا : يا أولادي , أكتبُ إليكُم هذا لكي لا تُخطِئُوا . وإن أخطأ أحدٌ فلَنا شفيعٌ عند الآب , يَسوع المسيح البارّ . وهو كفَّارة لِخَطايانا . ليس لِخَطايانا فقط , بل لِخَطايا كلّ العالَم أيضًا . (يوحنّا 1 – الإصحاح الثَّاني 1 - 2) .
وجاء في رسالة بولس : إذ الجميعُ أخطأوا وأعْوَزَهم مَجدُ اللَّه , مُتَبَرّرينَ مَجَّانًا بِنعْمَتِه بالفِدَاء الذي بِيَسُوع المسيح الذي قدَّمه اللَّهُ كفَّارة بالإيمان بدَمه , لإظهار بِرّه من أجل الصَّفح عن الخطايا السَّالفة بإمهال اللَّه . (رومية – الإصحاح الثَّالث 23 – 25) .
وجاء في رسالة بولس : لأنَّه (أي اللَّه) جعلَ الذي لَم يَعرِفْ خَطِيَّةً (أي المسيح) خَطِيَّةً لأجلنا , لِنَصيرَ نحنُ بِرُّ اللَّه فيه . (كورنثوس 2 – الإصحاح الخامس 21) .
وجاء في إنجيل يوحنَّا : لأنَّه هكَذا أحبَّ اللَّهُ العالَم حتَّى بذلَ ابنَه الوحيدَ لكي لا يَهلك كلّ مَن يُؤمن به بل تكونُ له الحياةُ الأبَديَّة . (إنجيل يوحنّا - الإصحاح الثَّالث 16) .
فعقيدة النَّصارى إذًا تتلخَّص في أنَّ كلَّ إنسان يولَد خاطئًا , وارثًا للخطيئة من أبيه آدم الذي عصى اللَّهَ وأكلَ مِن الشَّجرة المحرَّمة . وأنَّ السَّبيل الوحيد لِمَحْو الخطيئة هو سَفْك دَم . يقول بولس في رسالته إلى العبرانيِّين : وكلُّ شيء تقريبًا يَتطهَّرُ حسبَ النَّاموس بالدَّم . وبدون سَفْك دَم لا تَحصُلُ مَغْفرة . (العبرانيِّين – الإصحاح التَّاسع 22) .
لهذا , بعث اللَّهُ ابنَه الوحيد يَسُوع المسيح لِيُصلَب ويموت , لكي يفتدي خطيئة آدم وخطايا البَشَر ! وكلُّ مَن يُؤمن أنَّ المسيح قام بعد الصّلب , يَخلُص وينجُو من العذاب يوم القيامة ! فقد جاء في رسالة بولس : لأنَّكَ إن اعترفْتَ بِفَمِكَ بالرَّبِّ يَسُوع وآمنتَ بقَلبكَ أنَّ اللَّه أقامَه من الأموات , خَلصْت . لأنَّ القلبَ يُؤمنُ به لِلبرّ , والفَمَ يعترفُ به لِلْخَلاص . (رومية – الإصحاح العاشر 9 – 10) .
فَما فائدة العَمل إذًا بعد هذا ؟!!
إنَّ هذه العقيدة تتعارض بلا شكّ مع الفطرة والمنطق , ومع صفة العدل عند اللَّه , لأنَّها تُلغي مَبدأ القصاص يوم القيامة وأَخْذ حَقّ المظلوم من الظَّالِم ! بل إنَّها تُشكِّل خطرًا كبيرًا على الإنسانيَّة , لأنَّها تُشجِّع الفرد على فعل ما يُريد بدون قيد أو شرط , دون أن يخاف من العقاب , لأنَّه على كلِّ حال سوف يَخلُص ويَنجُو منه طالَما آمنَ برُبُوبيَّة المسيح وبصلبه وقيامته !!
ولو أنَّ حاكمًا أعلن لِشَعبه أنَّ كلَّ مَن يُؤمن بشَرعيَّته وكفاءته في الحكْم يَستطيع أن يفعل ما يشاء دون أن يُعاقَب , لانقلب المجتمعُ إلى فَوضى , ولانتشر السَّلبُ والنَّهبُ والقتلُ والاغتصاب !
وقد ظهرت آثارُ هذه العقيدة الباطلة فعلاً في كلام بولس , رسول النَّصارى والمشَرِّع لهم , فأصبح يستبيح المحرَّمات ويُحلِّلُها لِأتباعه ! مِن ذلك ما جاء في رسالته : كلُّ شيء طاهرٌ للطَّاهرين , وأمَّا لِلنَّجِسينَ وغير المؤمنين فلَيسَ شيءٌ طاهرًا , بل قد تَنجَّس ذِهنُهم أيضًا وضميرُهم . (تيطس – الإصحاح الأوَّل 15) .
وأباح لهم شُربَ الخمر , فقال في رسالته : لا تكن في ما بعدُ شرَّابَ ماء , بل استعملْ خَمرًا قليلاً من أجل معدتكَ وأسقامِكَ الكثيرة . (ثيموثاوس 1 – الإصحاح الخامس 23) .
وتَجدرُ الملاحظة هنا أنَّ مسألة الخطيئة الموروثة لَم تَرِدْ على لسان أحدٍ من الأنبياء قبل عيسى عليه السَّلام , ولا وُجود لِأيِّ ذِكْرٍ لها في التَّوراة ! فهل يُعقَل أنَّ اللَّه تعالى أخفَى شأنَها عن أنبيائه بالرَّغم من عِلْمِه بأنَّ خلاص البشريَّة لا يَتمُّ إلاَّ بِسَفكِ دَمٍ للتَّكفير عن هذه الخطيئة ؟! وماذا عن مصير البشر الذين جاءوا قبل المسيح إذًا ؟! ولِماذا انتظر اللَّهُ آلاف السِّنين قبل أن يُرسِلَ المسيح لِيُخلِّص البشريَّة ؟!
وإذا كان المسيحُ جاء فعلاً لهذه المهمَّة , فما معنى ما جاء في إنجيل مرقس عن آخِر أقواله (أي المسيح) عند صلبه المزعوم : وفي السَّاعة التَّاسعة صرخَ يَسوعُ بِصَوت عظيم قائلاً : إلُوي , إلُوي , لِمَ شَبَقْتَني (الذي تفسيره : إلَهي , إلَهي , لماذا تَركْتَني ؟!) . (إنجيل مرقس – الإصحاح الخامس عشر 34) . فإمَّا أنَّه أُرسِلَ مُكْرَهًا أو أنَّه لَم يُرسَلْ أصلاً للفداء !
ثمَّ , هل يَقبلُ العقلُ أن يبذلَ اللَّهُ ابنَه الوحيد المزعوم , لِيُصلَب على خشَبة ويتألَّم ويُهان ويُبصَق في وجهه ويموت , افتداءً لِخطيئة آدم ولِخطايا البَشَر ؟! ألم يكن بإمكان اللَّه , وهو المتصرِّف وحده في كلِّ شيء , أن يَغفر لعباده خطاياهم دون أن يُضحِّي بفلذة كبده ؟! هل يُعقل أن يكون اللَّهُ بمثل هذه القسوة , فيُلقي بابنه إلى الإهانة والعذاب ؟! ومِن أجل ماذا ؟! من أجل حَفنةٍ من البَشَر يعيشُون فوق كوكب صغير لا يُمثِّلُ ذرَّةً في كونه الفسيح !!
واللَّهِ إنَّ عقيدةَ الفداء والخلاص هُراءٌ لا يقبلُه عقلٌ ولا منطق , ولا يليقُ بجلال اللَّه وعدله وحكمته وكماله , سبحانه وتعالى عمَّا يقولُ الظَّالمون عُلُوًّا كبيرًا !
ثمَّ إنَّ اللَّهَ قد تاب برحمته على آدم وحوَّاء منذ أن كانا في الجنَّة , وانتهَت القضيَّة ! يقول تعالى في القرآن الكريم : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ 35 فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ 36 فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 37 قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 38 وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 39 } (2- البقرة 35-39) .
فليس هناك إذًا خطيئةٌ موروثة , وكلُّ إنسان مسؤولٌ فقط عن أفعاله , يقول تعالى : { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 164 } (6- الأنعام 164) .
ولم يكتف النَّصارى بتحريف شريعة عيسى عليه السَّلام , بل نسبُوا إليه أيضًا أقوالاً وأفعالاً لا تليق بهذا النَّبيِّ الكريم ! فقد جاء مثلاً في إنجيل يوحنَّا : وفي اليوم الثَّالث كان عُرسٌ في قانا الجليل , وكانت أمّ يَسوع هناك . ودُعِيَ أيضًا يَسوعُ وتلاميذُه إلى العُرس . ولَمَّا فرغت الخَمرُ قالت أمّ يَسوع له : ليس لهم خَمر . قال لها يَسوع : مالي ولَكِ يا امرأة ! لَم تأتِ ساعَتي بَعدُ . (إنجيل يوحنّا – الإصحاح الثَّاني 1 – 4) .
فهل يُعقَل أنَّ المسيح عليه السَّلام يَنهرُ أمَّه بهذه الطَّريقة ؟!
أبدًا لا يُعقَل , فقد شهد له اللَّهُ تعالى في القرآن الكريم بأنَّه كان بارًّا بوالدته , حيث قال تعالى : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30 وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا 31 وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا 32 } (19- مريم 30-32) .
وهل يُعقَل أنَّ مريم عليها السَّلام تطلبُ من ابنها أن يُحَوِّل الماءَ إلى خَمْر يَشربُه أهلُ العريس ؟!
أبدًا لا يُعقَل , فقد شهد لها اللَّهُ تعالى في القرآن الكريم بالطَّهارة وعُلُوِّ الدَّرجة , حيث قال تعالى : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ 42 } (3- آل عمران 42) .
ومِن الأقوال المنسوبة زورًا إلى عيسى عليه السَّلام , ما جاء في إنجيل لوقا : وقال لآخر : اتْبَعْني . فقال : يا سَيِّدُ ائذَنْ لي أن أمضي أوَّلاً وأدفِنَ أبي . فقال له يَسوع : دَع الموتَى يَدفِنُون موتاهُم , وأمَّا أنت فاذْهَبْ ونادِ بِمَلكُوت اللَّه . وقال آخرُ أيضًا : أتبعُكَ يا سَيِّدُ ولكن ائذَنْ لي أوَّلاً أن أوَدِّع الذين في بَيتي . فقال له يَسوع : ليس أحدٌ يضعُ يَده على المحراث وينظُر إلى الوراء يَصلحُ لِملكُوت اللَّه . (إنجيل لوقا – الإصحاح التَّاسع 59 – 62) .
فهل يُعقل أن يَمنعَ نبيُّ اللَّه عيسى عليه السَّلام أحدَ أتباعه من دفن والده , ويَمنع آخر من وداع أهله ؟!
أبدًا لا يُعقَل , لأنَّ كلَّ الأنبياء كانُوا يَحُثُّون على برِّ الوالدين والإحسان إلى الزَّوجة والأهل .
ومِن مظاهر إساءة النَّصارى إلى المسيح عليه السَّلام : تَصديقهم لِما أشاعه اليهود من علاقة أمِّه مريم , الطَّاهرة العفيفة , بِرجُلٍ يُدعَى يوسف النَّجَّار , فنَسبُوه (أي نَسَبُوا المسيحَ) إليه . والحقيقة أنَّ عيسى عليه السَّلام خلقهُ اللَّه مِن أمٍّ بلا أب , معجزةً منه , مثلما خلقَ آدمَ عليه السَّلام بدون أب ولا أمّ .
أفلا يكفي كلُّ هذا لكي يتبرَّأ المسيحُ عليه السَّلام من النَّصارى وعقائدهم الباطلة ؟!!
---------------------- 5
كلمة عن إنجيل برنابا
ذكَرْنا أنَّه ظهر في البداية حوالي سبعون إنجيلاً , أمَر إمبراطورُ الرُّوم سنة 325 م بإحراقها , بعد أن اختار مجمعُ الكنائس منها الأربعة المعروفة اليوم . وذكَرْنا أيضًا أنَّهُ أُقِرَّ في هذا المجمع بأنَّ عيسى ابنُ اللَّه , تعالى اللَّهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا ! ولكن ليس كلُّ النَّصارى في ذلك الوقت كانُوا يعتقدُون هذا الاعتقاد , بل كان منهم مُوَحِّدون , يؤمنون بأنَّ اللَّه إله واحد , وأنَّ عيسى عليه السَّلام عبدُه ورسوله . وهؤلاء لَم يَتَبَنَّوْا قرارات المجمع , فضيَّق عليهم إمبراطورُ الرُّوم الخناق , وهدَّم كنائسهُم وشرَّدهم وطردهم من ديارهم ! وبِمُرور السِّنين والقرون , اضمحلَّت مذاهب هؤلاء , ولَم يبقَ من أتباعهم أحدٌ تقريبًا .
ومِن بين الأناجيل الأولى التي كُتِبتْ , إنجيل برنابا (Barnabé) , كتَبهُ برنابا , واسمه الحقيقي يوسف بن لاوي , أمَّا برنابا فهو لقبٌ أطلَقه عليه الحواريُّون (Les Apôtres) , فقد جاء في سِفْر أعمال الرُّسُل : ويوسف الذي دُعِيَ من الرُّسُل بَرْنابا الذي يُتَرجَم ابن الوَعْظ , وهو لاوي قُبرُسي الجنس . (أعمال الرُّسل – الإصحاح الرَّابع 36) .
وُلِدَ برنابا بقبرص , وتُوفِّي بها مقتولاً سنة 61 م . وقد عاصَر المسيحَ عيسى عليه السَّلام ورآهُ وصحِبَه , وصحبَ أيضًا مرقس Saint-Marc وقد عُرِفَ برنابا بصلاحه وتَفانيه في الدَّعوة إلى المسيحيَّة , ويشهد له الحواريُّون بذلك , حيثُ جاء في سِفْر الأعمال : فسُمِعَ الخَبرُ عنهم في آذان الكنيسة التي في أورشَليم , فأرسلُوا بَرْنابا لكي يجتاز إلى أنطاكية . الذي لَمَّا أتى ورأى نعمة اللَّه فرحَ ووعظَ الجميعَ أن يثبتُوا في الرَّبِّ بعزم القلب , لأنَّه كان رجلاً صالِحًا ومُمتلئًا من الرّوح القُدُس والإيمان , فانضمَّ إلى الرَّبِّ جمعٌ غفير . (أعمال الرُّسل – الإصحاح الحادي عشر 22 – 24) .
والسَّببُ في وقوفنا هنا عند إنجيل برنابا , هو أنَّه يُخالفُ الأناجيل الأربعة المعروفة اليوم في أمور جوهريَّة , منها أنَّه رَدَّ زَعْم النَّصارى ألوهيَّة عيسى عليه السَّلام , فقال بأنَّه عبدٌ ورسول , ورَدَّ ادِّعاءَهم صَلْبَه , فقال بأنَّه لم يُصلَبْ , وذكر صراحةً في عدَّة مواضع من إنجيله بشارةَ عيسَى عليه السَّلام بِمَجيء النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم مِنْ بعده !!
نعم , كلُّ هذا مذكورٌ في إنجيل برنابا , وهو ما يُفسِّرُ صدور أمْرٍ سنة 366 م من البابا دماس الأوَّل (Damase 1er) ثمَّ من باباوات مِن بعده , بعَدم قراءة هذا الإنجيل !
وفي دراسة قيِّمة جدًّا للدُّكتور منقذ بن محمود السقار عن كُتُب العهد القديم والعهد الجديد , استعنتُ بها في كتابة العناصر السَّابقة وموجودة على موقع الحقيقة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] , يذكُر الدُّكتور أنَّ ذِكْرَ إنجيل برنابا اختفَى قُرونًا عديدة , حتَّى عُثِر سنة 1709 م على نُسخة منه مكتوبة بالإيطاليَّة , مُجَلَّدَة وعليها نقوش ذهبيَّة , استقرَّت سنة 1738 م في البلاط الملكي في فيينَّا , عاصمة النّمسا . وقد تُرجِمتْ هذه النُّسخة إلى العربيَّة على يد الأستاذ خليل سعادة .
ويَردُّ بعضُ النَّصارى اليوم بأنَّ النُّسخة الإيطاليَّة من إنجيل برنابا مُزوَّرة , وأنَّ الذي كتبها مسلم !
أمَّا المسلمون فيقولون بأنَّ هذا لا يصحُّ , لأنَّ هذا الإنجيل , وإن كان يُوافق معتقدات المسلمين بخصوص عدم ألوهيَّة عيسى عليه السَّلام , ونجاته من الصّلب , وبشارته بمحمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , إلاَّ أنَّه يحتوي على العديد من الأشياء التي لا يقول بها أيُّ مسلم , مثل وصف اللَّه تعالى بالرُّوح والعجيب والمبارك , واستعمال أسماء ملائكة غير معهودة , مثل : رفائيل وأوريل , والقول بأنَّ السَّماوات تسع !
وعلى كلِّ حال , يبقَى إنجيلُ برنابا في نَظر المسلمين , حالُه مثل حال بقيَّة الأناجيل المعروفة , كلُّها مِن وضْع بَشَر , وليست هي الإنجيل الحقيقي الذي أنزلهُ اللَّه تعالى على نبيِّه عيسى عليه السَّلام , والمذكور في عدَّة مواضع من القرآن الكريم .
---------------------- 5