hakim المدير
عدد المشاركات : 812 تاريخ التسجيل : 10/08/2008
| موضوع: فلسفة ابن رشد الإثنين فبراير 09, 2015 12:31 pm | |
| [size=32]ابن رشد... قمة الفلسفة العربية وبداية انحدارها للدكتور: فراس عدنان أصبحت إسبانيا في العصور الوسطى، التي كانت آنذاك تحت سيطرة المسلمين، مركزاً فكرياً ترك أثراً على التفكير الفلسفي واللاهوتي في الغرب والشرق على السواء، وكان المفكرون من المسلمين الذين ينتمون إلى شبه الجزيرة الإيبيرية وبلدان شمالي إفريقيا قادة هذه التوجهات الفكرية والعلمية. ومن هؤلاء المفكرين الذين تركوا أثراً لا ينسى ابن رشد الذي يعرف على نطاق واسع باسمه اللاتيني "أفيرويس"، لا سيما أن المؤرخين يعتبرونه الفيلسوف الذي لا يتقدم عليه أحد بين فلاسفة الإسلام. ولقد كان ابن رشد من أوائل من أثاروا نقاشاً حول العلاقة بين الإيمان الإسلامي والتفكير الفلسفي، مؤكداً على التوافق والتكامل فيما بينهما. وشملت اهتماماته مواضيع أخرى مثل الطب والفلك. وفيما يلي نقدم ملخصاً عن حياة ابن رشد وإنجازاته.
نشأته : هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد ابن رشد. ولد ابن رشد في العام 1126 في مدينة قرطبة التي كانت في ذلك الوقت جزءاً من الحكم الإسلامي في إسبانيا. ترعرع ابن رشد في مدينته، وأمضى فترة طويلة من المراحل الأولى في حياته في الدراسة والسعي وراء العلم، لذا كانت حياته هادئة بشكل عام وكان قريباً من أبيه وجده، وكلاهما قاضيين معروفين في قرطبة، حيث كان جده إماماً من المهتمين بالفقه (المذهب المالكي)، كذلك كان إماماً للمسجد الجامع في قرطبة. تلقى ابن رشد العلم والمعرفة على يدي أبيه وجده اللذين كانا من رجالات العلم والدين، الأمر الذي وفر له الجو الدراسي المناسب ليبرع في التعليم. كذلك درس ابن رشد على أيدي رجال علم كلفوا بتدريسه مواضيع مختلفة مثل القانون والفلسفة، إلى جانب اهتمامه بدراسة الطب. ومما لا شك فيه أن ابن رشد قد وُجد في الزمان والمكان المناسبين اللذين عززا اهتماماته الدراسية. كان تحت تصرفه أكثر من 500.000 كتاب ومخطوطة في مواضيع شتى موجودة في مكتبة قرطبة. حيث بدأ إنشاء هذه المكتبة الضخمة إبان عهد الخليفة الأموي الحكم الذي حكم إسبانيا قبل قرنين من الزمان. لقد شكلت هذه المكتبة مصدر معلومات لا يقدر بثمن وكان لها الدور البارز في إثراء الحركة العلمية في إسبانيا في ظل الحكم الإسلامي، تلك الحركة العلمية التي شارك فيها ابن رشد مشاركة فاعلة. مسيرته المهنية واستكشاف منطق أرسطو بعد أن حقق ابن رشد مستوى راسخاً من النضج الفكري والإنجاز العلمي، سار على نهج عائلته بأن أصبح كبير قضاة قرطبة. وفي تلك المرحلة التي لمع نجمه فيها، قام ابن طفيل في العام 1169 بتقديمه إلى الخليفة أبو يعقوب الذي كانت له اهتمامات بالاتجاهات الفلسفية. أراد أبو يعقوب أن يختبر ابن رشد فطرح عليه سؤالاً عما إذا كانت السماوات قد خلقت أم لا، لكن الخليفة سبقه بالجواب ليعفي ابن رشد من عبء الجواب، وبعد ذلك تبادلا حديثاً ودياً طويلاً أعجب الخليفة. وقام الخليفة بمنح الكثير من الهدايا لابن رشد. وبالإضافة إلى الهدايا عرض الخليفة على ابن رشد تكليفه بإجراء دراسة شاملة للأعمال الفلسفية التي تركها الفيلسوف اليوناني أرسطو. وقبل ابن رشد التكليف وأمضى سنوات عديدة من العمل المضني في المشروع وتمكن من الموازنة بين عمله على هذا المشروع ومزاولته لمنصب كبير القضاة، وهو عمل تطلب منه الكثير من الوقت والجهد. وبعد وفاة الفيلسوف ابن طفيل، جرى تعيين ابن رشد مكانه في منصب الطبيب الخاص للخليفة أبو يعقوب في العام 1182، ومن ثم لابنه أبو يوسف يعقوب في العام 1184. تابع ابن رشد عمله في تفسير أرسطو حتى العام 1195، واختتم هذا العمل بتقديم مجموعة منهجية من الشروحات والتفسيرات لمعظم أعمال الفيلسوف الكبير، وأهم هذه الأعمال: حول الروح، علم الطبيعة وما وراء الطبيعة. وهناك أعمال أخرى تشمل: حول أعضاء الحيوان، ريطوريقا، حول الحس والمحسوسات، ميتيورولوجيكا، والشعر. وعن كتاب "السياسة" كتب ابن رشد شرحاً غير مباشر معتمداًَ على "جمهورية أفلاطون" والذي يمكن اعتباره بأنه إعادة صياغة لكتاب "السياسة". وفيما يتعلق بمعظم الأعمال الأخرى فقد كتب تحليلات مصحوبة بملخصات شاملة. وفي بعض الأحيان كان تحليل ابن رشد حول عمل معين أطول من النص الأصلي. وقد أثبت ابن رشد في شروحاته وتفسيراته قدرته على فهم أعمال أرسطو، ما أدى إلى تضمين هذه الشروحات في أعمال أرسطو الكاملة المنشورة باللغة اللاتينية. وبقيت هذه النسخة اللاتينية النسخة الأكثر تعبيراً عن الأصل في وقتنا الحاضر، نظراً لفقدان النص الأصلي باللغة العربية. وما من شك أن التحليل الذي كتبه ابن رشد حول أعمال أرسطو كان له الأثر الكبير على الفكر الإسلامي والمسيحي في جانبيه الفلسفي والعقلي طوال العصور الوسطى.
بناء الجسر بين اللاهوت والفلسفة: إذا كان ثمة ما يثير الجدل في أعمال ابن رشد فإن السبب يرجع إلى موضوع حساس وهو إدخال التفكير الفلسفي في مجال الدين، الأمر الذي اعتبره العديد من رجال الدين في ذلك الوقت أمراً غير لائق. ومن هذا المنطلق فقد أثار ابن رشد جدلاً انتهى به ليجد نفسه أمام محنة. وأثناء استكشافه لموضوع التوافق بين علم الفلسفة والتعاليم الإسلامية، تأثر ابن رشد مجدداً بالتفكير العقلي الذي شاع في النصوص اليونانية القديمة. وعن نفس الموضوع كتب ابن رشد مجموعته الرائعة المكونة من ثلاثة كتب دينية فلسفية كتبت على مدار سنتين ورأت النور في العام 1180. كانت أبحاث ابن رشد تحمل العناوين التالية: الفصل والمناهج وتفاضل التفاضل وتهافت التهافت، وكانت بمثابة عمله الذي كتبه دفاعاً عن الفلسفة. وفي "الفصل" و"المناهج"، أظهر ابن رشد مقولات تعتبر ثورية بالنسبة لزمانها. ومن بين أشياء أخرى كان هناك موضوع رئيسي، في هذين العملين، وهذا الموضوع يتعلق بمقولة أن قلة من الناس هم من يفهمون تماماً تعاليم الشريعة، وهي التعاليم الدينية التي جاء بها الرسول (ص). وهذه القلة يجب أن تكون عالمة بما وراء الطبيعة ويجب أن تعتمد تفسيراتها على دليل قائم على القياس المنطقي. وبعكس العالم بما وراء الطبيعة، فإن الجدل لدى رجل الدين المسلم الذي يبني تفسيراته للتعاليم النبوية على الجدلية المنطقية ليس بوسعه أن يقدم فهماً كاملاً للشريعة. ولذلك كانت مأثرة الفيلسوف الكبيرة هي الكشف عن الجوانب الجوهرية والأساسية للرؤى الموجودة في الشريعة. لذا، لا يجوز ولا يجب نقل المعاني الأساسية للعامة. وبدلاً من ذلك، يجب أن تكون معارفهم مقتصرة على المعاني الأخلاقية والمباشرة للشريعة الموجودة في التركيبات المجازية والقصص التي يسهل فهما. وبناء على هذه المقومات فقد وصل ابن رشد إلى نتيجة مفادها بأن هناك ثلاثة أنواع من البراهين، وأن كل نوع منها يجب أن يطبق للتعامل مع شريحة خاصة من الناس. وتم تصنيف هذه الشرائح الثلاثة من الناس كمايلي: الفلاسفة ورجال الدين والعامة. أما بالنسبة للأنواع الثلاثة من البراهين فهي: الإثبات والجدل والإقناع. بذل ابن رشد في الكتاب الثالث جهداً كبيراً لتقديم دفاع عن الفلسفة قائم على أسس راسخة، غير أن الكتاب لم يستطع أن يسترجع للفسلفة سمعتها. ويعود ذلك إلى حقيقة أن الأعمال القائمة على الافتراضات، في شبه الجزيرة الإيبيرية وشمال إفريقيا لم تشهد القبول في ذلك الوقت سواء كانت راسخة بشكل جيد أم لا. وقد أكسبت هذه الافتراضات مع شروحاتها الثورية في ذلك الزمان ابن رشد المزيد من الأعداء، حيث أن العديد من رجال الدين اعتبروا أن مزاعم ابن رشد ليست أكثر من افتراضات عدائية. وبعد فترة قصيرة، وجد ابن رشد أنه لا غاية له في حياته، وفي قرارة نفسه أدرك أن الآخرين فهموه بشكل خاطئ وتجاهلوه. إلا أن الخليفة بقي يحترمه ويسانده لقناعته بأنه كان يحاول الوصول إلى الحقيقة المطلقة. بعد أن عاد ابن رشد إلى مراكش، دعاه الخليفة إلى بلاطه للإقامة والعمل هناك. ورغم هذا العرض السخي، فقد كان كئيباً، ومن ثم مرض وتوفي بعدها، ودفن في مراكش، إلا أن جثمانه نقل فيما بعد إلى مقبرة العائلة في قرطبة. تزعم بعض المصادر التاريخية أن أعمال ابن رشد شملت أكثر من عشرين ألف صفحة من المخطوطات. ولعل في هذا الأمر شيء من المبالغة، لكن من المؤكد أنه قدم أعمالاً واسعة لا سابق لها حتى أنه بإمكاننا القول عنها أنها ثورية في شتى المجالات. ومن دون شك بأن أكثر هذه الأعمال جوهرية وتأثيراً كانت تلك التي تناولت الفلسفة والدين والفقه. كتب ابن رشد أيضاً في الطب، ويقال أنه ألف أكثر من عشرين كتاباً. كما كتب أيضاً في الفقه، حيث أن المخطوطة التي كتبها تعد أفضل ما كتب خلال القرن الثاني عشر عن المذهب المالكي في الفقه. ويدعى هذا الكتاب "بداية المجتهد ونهاية المقتصد". انتشرت ترجمات كتب ابن رشد باللغة اللاتينية على نطاق واسع، لكن هذه الكتب ترجمت إلى لغات عدة منها الألمانية والإنجليزية. إن معظم ما كتبه ابن رشد باللغة العربية لم يبق منه شيء، لكن هناك العديد من الترجمات، خصوصاً الكتاب عن الفلسفة باللغة اللاتينية. وهذا يشير إلى الاهتمام الذي حظيت به أعمال ابن رشد في الغرب. ومن أعماله المترجمة والمحفوظة عملان مشهوران وهما شروحاته لجمهورية أفلاطون ومنطق الفارابي. وهناك أيضاً سبع وثمانون مخطوطة مترجمة ما زالت موجودة حتى أيامنا.[/size] | |
|